للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يلعب في الفن دوره، ولكنه مع هذا يلتقي عند جل الفنانين التقاء جمال وروعة وبهاء. وقد عرف بودلير الذوق أنه تطلع إنساني نحو جمال أسمى. وينبغي أن نقرر هنا حقيقة أخرى وهي أن الفن ليس تقليداً للطبيعة كما كان يظن أرسطو إنما هو إبراز ما هو جميل في الطبيعة وحذف كل ما هو مشوه، فقد يرى الرسام شجرة من الأشجار ويريد أن يرسمها فلا يرسمها بهيئتها التامة وشكلها الكامل إنما يرى من الفن أن يقلم بعض أفنانها ويقطع بعض أوراقها حتى تخرج أكثر ملاءمة للفن الجميل.

فالفن إذاً كدوحة سامقة قد رسخت أسافلها في الطبيعة وامتدت فروعها في الخيال. ولما كان الشعر قسيماً للنثر والشعر، والنثر مكونان للأدب والأدب فن من الفنون فإني أوثر أن نتحدث بعض الشيء عن تعريف الفن عند الفلاسفة والعلماء. قال أفلاطون الفن عبارة عن إظهار ما هو غامض في الطبيعة. وقال أستاذه أرسطو الفن تقليد للطبيعة. وقال فرنسيس بيكون الفن روح الفنان مضافة إلى الطبيعة. وقال ريزنج الفن هو المظهر الخارجي للآلة. وقال أميل زولا الفن هو الطبيعة ترى خلال شعور الفنان. وقال كوزان الفن هو التعبير الحر للطبيعة. وقال تين: الفن إخراج خاصيات الأشياء وإظهارها في شكل بارز. وقال جيته: الفن الجميل كقوس قزح لا يرتسم إلا فوق سطح معتم، ولهذا كان الحزن عنصراً مناسباً للعبقرية.

أما حديث أوسكار وايلد عن الفن فهو حديث ذو شجون: وقد قدم به مجموعة من أقاصيصه الرائعة في الأدب الإنجليزي فقال الفن صانع الأشياء الجميلة. وغاية الفن أن يكشف عن نفسه وأن يخفي شخصية الفنان؛ وما من فنان يشتكي الحدب أبداً. فالفنان يستطيع التعبير عن كل شيء في الحياة. وأرقى الفنون من ناحية القلب الموسيقى، وأرقى الفنون من ناحية الشعور التمثيل، وللفن ظاهر مكشوف ورمز مستور؛ ومن يتجاوز الظاهر يجازف بكل شيء، ومن يفهم الرمز يجازف بكل عزيز والفن ليس صورة الحياة بل صورة المستعرض للحياة وليس للفن نفع على الإطلاق!

ونحن أمام هذه التعاريف المختلفة والتعابير العدة عن الفن نكاد نخرج بنتيجة واحدة، وهي أن الفن ترجمة عن الجمال والقبح سواء اتصل هذا الجمال أو القبح بالعالم الداخلي وهو النفس، أو العالم الخارجي وهو الطبيعة. والفن وأعني به الفن الجميل لا يسعى وراء منفعة

<<  <  ج:
ص:  >  >>