ولا يجري وراء غاية سوى اللذة الفنية التي يشعر بها الفنان.
وقد قال جوليان هكسلي رئيس لجنة التربية الثقافية بمؤتمر اليونسكو إن الفن إبداع فردي يقام فيه وزن للكيف والقيمة والفنون جزء من المعنى الثقافي للحياة أما العلم فيهدف إلى وحدة المعرفة وإلى إثراء كمي في العالم. ولكن جوليان فإنه أن يذكر هذا الفن الذي يمكن أن تتذوقه الأمم جميعاً وهو الفن الذي سنتحدث عنه بعد حين. لكن قبل الحديث عن الفن بمعناه الواسع أحب أن أتحدث عن الأدب بوصف الشعر فناً من الفنون.
من الباحثين من ينظر إلى الأدب عندما يؤرخه نظرة زمانية فيقول هذا أدب جاهلي وهذا أدب أموي وهذا أدب عباسي وهلم جرا أو هذا أدب كلاسيكي وهذا أدب رومانتيكي. ومن الباحثين من ينظر إلى الأدب عندما يؤرخه نظرة مكانية فيقول هذا أدب مصري وهذا أدب أندلسي وهذا أدب عراقي أو هذا أدب ريفي وهذا أدب ايرلندي وهلم جرا. . .
ومن الباحثين من ينظر إلى الأدب عندما يؤرخه نظرة تجمع بين الزمانية والمكانية. والفريق الذي ينظر إلى تاريخ الأدب نظرة زمانية إنما يجري الزمان الذي يمر عليه والأحداث التي تحدث له. والفريق الذي ينظر إلى تاريخ الأدب نظرة مكانية ينكر أثر الزمان؛ فالزمان لا وجود له، والمكان هو الاسم للظرف المادي أو الوجودي. والبيئة المادية مؤثرة في الأدب من حيث أنها وعاء محسوس يؤثر تأثيراً حاسياً مادياً عملياً يمكن إحساسه ويمكن قياسه وربما تأثر هذا الفريق بفكرة إلغاء الزمان أو بفكرة الزمان الوجودي إن أردت الدقة في التعبير؛ تلك الفكرة التي دعت بعض الفلاسفة إلى إلغاء الحاضر إلغاء. فالطفل لا يدري متى ينمو ولا كيف ينمو؛ والكلمة التي يتفوه بها الإنسان في الحاضر لا تلبث أن تكون ماضية فلا يمكن أن تجزم بوجود الحاضر. هذا في الفلسفة. أما في الأدب فالزمان اعتبار لا أكثر ولا أقل عند هذا الفريق. والبيئة هي المؤثر الأول في الأدب؛ فبيئة بلاد العرب تختلف عن بيئة مصر، ومن ثم كان أدب بلاد العرب يختلف عن أدب مصر: أما الفريق الثالث كما قلت فهو الفريق الذي يقف وسطاً بين المذهبين فتارة يميل إلى جهة اليمين وتارة يجنح إلى جهة اليسار!
وعندي نظرة جديدة إلى الأدب والفن بل إلى تاريخ الأدب والفن أيضاً، وهذه النظرة لا تعبأ بالزمان ولا تعبأ بالمكان ولا تعبأ لشيء مطلقاً قدر ما تعبأ بذاتية الأدب وذاتية الفن.