للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والشيء الذي أدعو إليه هو أن أوجد أدباً عالمياً يمكن أن يقرأه المصري ويقرأه الفرنسي ويقرأه الإنجليزي ويقرأه الأمريكي فيعجب كل منهم به، وأن أوجد أدباً عالمياً أيضاً فيقرأ رجل القرن العشرين نتاج أدب القرن الأول أو ما قبل القرن الأول فيعجب به أيضاً وأنا عندما أُريد أن أوجد هذا الأدب لا أوجده من العدم لأنه موجود فعلاً. فلا يزال كتاب التراجيديا يأكلون من فتات مائدة هوميروس كما يقولون. وما زلنا نقرأ الإلياذة والأوديسة فتعجبنا هذه العواطف المتطاحنة وهذه الانفعالات الصاخبة في شعرهما. ولا زلنا نقرأ شعر الغزل المصري القديم فنجد فيه رقة وعذوبة وجمالاً. ويكفي أن أذكر قطعة غزلية مصرية قديمة لتكون دليلاً على هذا القول ومن احتاج إلى أكثر من ذلك فليرجع إلى كتابي شعراء الحب في العالم. اسمع قول الشاعر

(إذا قدمت خفق قلبي وطوقتها بذراعي فشعرت بالسعادة في أعماق قلبي. وإذا دنت مني وفتحت ذراعيها إلي شعرت كأن أزكى روائح العطور تغمرني. فإذا أدنت شفتها من شفتي ولثمتني فهناك السكر ولا خمر!)

ومن الشعراء العرب من تحدث عن سقيا الخمر بالنظرات وعن رضاب حسناه برود وما شابه هذا مما لا داعي لتفصيله في هذه العجالة.

بل من منا من لم يقرأ قصيدة لامارتين البحيرة التي صور فيها أوقات الهوى مع حبيبته جوليا فوق صفحة البحيرة الرقراقة وتحت أضواء النجوم! المتألقة في السماء الزرقاء وبين إيقاع لمجاديف وهمسات الأمواج فلم يعجب بلامارتين وقصيدته قدر أو أكثر من إعجابه ببركة البحتري ووصف معالمها وأركانها!

بل من منا من لم يقرأ قصائد أدجار ألن يو المترجمة أو ماشوز الشاعر الأمريكي الرائع ولاسيما في الغزل فلم تنضح عيناه بدمعة ولم يتأوه قلبه بحسرة ولم يتحرك لسانه بآهة!

بل من منا لم يقرأ شكسبير ومسرحياته الروائع التي اقتحمت البلاد جميعاً ووجد فيها الشرقي والغربي أشخاصاً يشعرون بشعوره ويحسون بأحاسيسه؟! بل من منا من يسمع أقوال لقمان الحكيم منذ فجر الزمان وحكم الفرس فلم يعجب بالحنكة والخبرة ودرس الزمان! بل من منا من لم يقرأ حكم طرفة وزهد المعري وأبي العتاهية الذي يصدق على كل آن ومكان؟ إن الناس مهما اختلفت أذواقهم وطباعهم فإنهم لابد ملتقون سواء رضوا أم

<<  <  ج:
ص:  >  >>