للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لم يرضوا في الإنسانية. فغرائزهم واحدة وتفكيرهم في منشأه واحد. ولهذا كان أقرب أبواب الأدب الذاتي إلى ذوق العالم بابا الغزل والحكمة، لأن الأول يختص بالعاطفة والثاني يختص بالعقل. أما الأبواب الأخرى في الشعر فتتأثر بعوامل أخرى أكثر وضوحاً وبياناً. . . وكان أقرب أبواب الأدب الموضوعي إلى ذوق العالم أدب القصة والمسرحيات.

بينت حتى الآن أن هنالك أدباً عالمياً نعجب به جميعاً، ولكني أحب أن أقرر شيئاً وهو أنني لا ألقى بهذه لنظرة لتكون قضية مسلماً بها فهذا لا يكون في الأدب. لأن الأدب لا ينتهي عند قرار كما هو الحال في العلم، فنحن عندما نقول مثلاً إن قيس ليلى زعيم مدرسة شعر الحب العنيف، وعمر بن أبي ربيعة زعيم مدرسة شعر الحب الصريح، لا نعني من لفظة مدرسة المعنى المعروف في الفلسفة مثلاً. فأنا أعرف شعراً لقيس ليلى يدخله في دور الفاحشين، وأنا أعرف شعراً لعمر بن أبي ربيعة يدخله في دور المتورعين. فالمسألة في الأدب ميل غالب بدلاً من أن نترك الأدب كالبحر الخضم الذي ليس له شاطئ وليس له قرار. فعندما أقول إذن إن هناك أدباً عالمياً لا أعني أن هذا الأدب يجب أن يعجب جميع أفراد العالم، إنما أعني أن الإعجاب يكاد يكون الميل الغالب بين الأمم نحو هذا الأدب. وهذه الفكرة موجودة في الطبيعة أيضاً فعندما نقول منطقة الغابات المدارية تليها منطقة السافانا لا نعني أن النباتات تأتي عند حد فتختلف اختلافاً عظيماً وهو الاختلاف بين الغابات المدارية والسافانا، إنما تتدرج النباتات المدارية حتى تصبح من نباتات السفانا. فليس الخط الفاصل بين المنطقتين إذن إلا خطاً وهمياً يعصم من الالتباس، وهكذا الحال في الأدب فالقضايا ليست إلا قضايا تقريبية إن صح هذا الضرب من التعبير عند المناطقة.

إذن فهنالك أدب عالمي لا يدرس بالزمان ولا بالمكان؛ وإذن هنالك شعراء عالميون لا يدرسون بالزمان ولا بالمكان؛ بل هنالك شعر عالمي إن أردت أن تكون أكثر دقة، فالشاعر قد يبدع حيناً؛ وقد يسف حيناً آخر، وقد يرتفع تارة إلى آفاق البلاغة وينحدر تارة إلى أعماق الركاكة لاختلاف مزاجه وتباين عاطفته. ومهمة الأديب في العصر الحديث بل مهمة اليونسكو في العصر الحديث يجب أن تكون البحث عن هذا الأدب وهذا الشعر لنشره بين الناس جميعاً وترجمته بجميع اللغات. فأوديب الملك مثلاً استمرت تغزو الأدب الأوربي زمناً طويلاً فتأثر بها كورني وفولتير وفيكتور هيجو، ومسرحية فاوست لكرستوف مارلو

<<  <  ج:
ص:  >  >>