كل شيء، وبعد كل شيء). وإذن فلا تنافي بين الشك والدين، كما لا تنافي بين الشك واليقين، لأن اليقين لا يزال بالشك كما يقول العسكري.
ومن فلاسفة الإسلام من اتخذ الشك المنهجي عكازاً إلى نور اليقين وزعيمهم فخر الرازي، فقد كان أستاذنا المرحوم (كراوس) المستشرق الألماني يعتبره زعيم المتشككين في الإسلام. وقد اصطنع المنهج الشكي أو الشك المنهجي حجة الإسلام أبو حامد الغزالي كما هو واضح في كتابه أو اعترافاته (المنقذ من الضلال). وعند الواقفية من الجهمية مسحة من الشك في تعاليمهم لاتصال جهم بن صفوان بالشكاك الهنود، وسميت بالواقفية لأنها لم تقل بأن القرآن مخلوق أو ليس.
وكان الغزالي يعمل للعامة اعتباراً فوضع (إلجام العوام عن علم الكلام) وكتب السيوطي (صون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام) وما أكثر تآمر الجهل والجمود على العلم والحرية، فقد اتخذ ديكارت منهجاً للشك بغية الوصول إلى الحقيقة والكشف عن القوانين العامة للعلوم وثار على خزعبلات المشايخ هيئة كبار العلماء في عصره. وكانت ثورته الفكرية قوامها هدم احتكار العلم فافتتح (المقال عن المنهج) بقوله (العقل أكثر الأشياء توزعاً بين الناس بالعدل) وإذ خشي انقضاض العلماء الرسميين عليه قال (من أحسن الهروب عاش سعيداً) وكان لقواعد منهجه في الشك أبعد الأثر في توجيه الفكر الإنساني إلى أبعد الغايات، وتابعه (كانت الذي نقد العقل، وبيكون الذي هدم (أصنام العقل) ليبني على أنقاضها منهجاً جديداً للتفكير والبحث في العلوم. وكذلك (بيل و (مونتني و (هيوم وغيرهم من الشكاك المحدثين والأقدمين.
هذا هو نفوذ المذهب الفيروني في كل ما جد من بعده من أفكار حصرناها على نطاق واسع جداً يضيق المقام هنا عن ذكر تفاصيله وتفاريعه. أما أثر فيرون فقد كان مباشراً في تلاميذه الذين انخرطوا في مدارس للشك لكل واحدة لونها وصبغتها، وإن كانوا يسمون كانوا رواد الحقيقة، فلما حاولوها ولم ينالوها سموا تحيروا وتوقفوا حيالها سموا فعلقوا أحكامهم، فسموا لم يطمئنوا إلى وجود الحقيقة التي أشكلت عليهم.
وكان أركاسيلاس وكاريناد أشهر المدرسة الاحتمالية، وكان أنسيدام وأغريبا أشهر المدرسة الجدلية، ثم جاءت أخيراً المدرسة التجريبية التي اشتهر فيها مينودوت وسكستوس من