يا فؤادي استرح فما الشأن إلا ... ما به مظهر القضاه تتنزل
رب ساع لحتفه وهو ممن ... ظن بالسعي للعلا يتوصل
قدر غالب وسر الخفايا ... فوق عقل الأريب مهما تكمل
غاية العقل حيرة وعقال ... واللبيب الذكي من فد تأمل
وهذا كلام لا يقال في قصيدة يريد ناظمها أن يعتذر فيها عما نسب إليه من تهمة خطيرة، ويتبرأ من ذنب عظيم، ويطلب الصفح والمغفرة وهذا الاستهلال أليق بقصائد الرثاء، ففيه حث على التزام الصبر، وحض على الرضى بالقضاء والقدر. ولم يكن المقام يستدعي ذلك. فقد كان الخديوي توفيق في حالة فرح وسرور يعد انتصاره على أعدائه واطمئنانه على عرشه وملكه فكان من المناسب أن يبدأ الشاعر قصيدته بالتهنئة أو الاعتذار. ولكنه لم يفعل ذلك بل افتتحها بهذه الأبيات التي يظهر عليها طابع الحزن والأسى والاستسلام الذي يتمثل في قوله:
يا فؤادي استرح فما الشأن إلا ... ما به مظهر القضاء تنزل
فمم استوحى الليثي هذه الأبيات؟ وما هو الدافع النفسي الذي حرك لسانه وأنطقه بهذا المطلع؟ ومن هذا الذي خاطبه بقوله (فالزم الصبر إذ عليه المعول)؟
وقبل الإجابة عن هذه الأسئلة يجب أن نذكر أن الأحوال في أوائل عهد توفيق لم تكن تسمح بعقد مجالس الأنس والطرب التي لا تظهر مواهب الليثي في غيرها فلم تكن العلاقات بين الشاعر والخديوي في السنوات الأولى من حكمه كالعلاقات التي كانت بينه وبين إسماعيل إبان عظمته ومجده. ولو كانت الصلة قوية بين الليثي والخديوي لصحبه إلى الإسكندرية فيمن صحبه من خاصته. ويتضح من هذا المطلع الحزين الباكي أن الشاعر انضم إلى صفوف العرابيين اعتقاداً منه أن حركتهم ترمي إلى صيانة الوطن والدفاع عنه ضد الإنكليز. والليثي أزهري، والأزهريون قد انضووا تحت لواء العرابيين مدفوعين بالنعرة الدينية والعاطفة الوطنية فمن المعقول أن يحذو الليثي حذو إخوانه ويندمج في صفوف العرابيين. ويشجعه على ذلك ورود الأنباء الكاذبة المنبئة بانتصار الجيش المصري وانهزام الإنجليز.
ولاشك في أن الليثي قد خاطب نفسه في هذه الأبيات وحثها على الصبر، وحضها على