للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أن يستأصلوا شأفته، قبل أن تمتد جذوره، ولم يكن ذلك الخطر يومئذ قد تفاقم أمره أو استفحل شره على الصورة التي نراها الآن.

ثم جمع الكاتب الفاضل تلك المقالات، وزاد عليها أبحاثاً لم تنشر ونسقها وأخرجها كتاباً سماه من وحي فلسطين.

وقد صدر الكتاب بمقدمة جليلة لمؤرخ نابه الذكر، وسياسي عظيم الخطر هو العلامة الكبير الأستاذ محمد توفيق السلحدار بك. وقد تصفحت الكتاب فوجدت المؤلف يحلق في أجواء بعيدة، ويتنقل في رياض متعددة، ويطرق نواحي مجهولة، ويضيء جوانب مظلمة ويقدم للقراء طعاماً شهياً، وماء نميراً من أدب قيم وفن رفيع، وحكمة سامية وفلسفة عالية وتوجيه سديد وإرشاد نافع، فتقرأه أدبياً يعلو خياله ومؤرخاً يصدق حكمه، وجغرافياً تتضح مصوراته، وفيلسوفاً تصدق نظرياته، ومرشداً تؤثر عظاته، وعالماً يغوص بك في أعماق المجهول.

فهو لا يكتفي بسرد الوقائع - وتسجيل الأحداث، وإيراد الحجج التي تؤيد أقواله، وتدعم آراءه، ولا يقف عند رواية الحوادث وتسلسلها بل يحلل الدوافع، ويحلي ما غمض، ويوضح ما اسبتهم حتى لترى الحقائق ظاهرة أمامك ظهور الشمس في رائعة النهار.

ولعل أهم ظاهرة برزت في ثنايا سفره هي الصراحة المطلقة التي اتسم بها أسلوبه حين نعى على الشرق انحلاله وتخاذله، وتهافت أبنائه على المصالح الذاتية، وتكالبهم على المنافع الشخصية مما أضعف عندهم المثل العليا والقيم الروحية، وجعلهم في معزل عن ضياء العلم، ونور الحضارة فلم يجاروا العصر الذري يعيشون فيه، ولم يسايروا الزمن بل ظلوا جامدين أمام عصر الآلة، قانعين بالسير على الخطوات التي عفا عليها الزمن.

(أن الشرق العربي الذي عاش مدة من الزمن تتناوبه السياسات والأهواء المختلفة نتيجة لتنازع الدول الكبرى والذي استمر أهله ينعمون بتجانس في الميول والآمال والأغراض فقنعوا بالسير على خطوات الحضارة الزراعية البطيئة والاكتفاء بالقليل قد ووجه بحقيقة جديدة هي ظهور الصناعة الآلية المعتمدة على العلم والمال.

إن مجيء الصهيونية تستعمر بلاد العرب كان بمثابة هزة عنيفة لهذا الشرق النائم فهل تكفي لإيقاظه من سباته حتى يقف ويستعد لمواجهة هذا الخطر الجديد ليدفعه بالقوة التي

<<  <  ج:
ص:  >  >>