للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فهو في كلمة واحدة، يريد أن يصل إلى فن خالص. .

وإزاء هذه الرغبة التي يعرفها كل فنان، يترسب في طواياه شعور بالواجب، عليه أن يكون (أميناً) في التقاط كل الانفعالية لحركات وجدانه المحلل هذا الذي تصل إليه صور المدركات الحسية، وصور كل التجارب التي ينفعل لها، مستمدة قيمتها لا مما تطبعه في الدفعة الواحدة، ولكن من هذه التجزئة التي تحدد الأجزاء متتابعة، وتربط الصور ربطاً متسقاً، تبرز التجربة وتجسمها بما يكتنفها من نتوء وسطوح ومنحنيات.

وهنا يحدث الصراع بين موضوعين متعارضين: فلو ساير وجدانه وحده لعقد هذا العنصر الآخر الكامن في نفسه، وهو الذي سميناه واجب الفنان، فمسئوليته عن الأثر تجعله يقف إزاء طواياه المستترة وعالمه الآخر: هل كل شئ يقال؟. . هل يعبر عن هذا الشكل الجائش؟. . ولو عبر عن هذا فهل يصل إلى الفن الخالص الذي يريد؟. .

وفناننا لم يصل إلى موضع التقاء بين خطين متعارضين: بين الفن الخالص والمسئولية. . هو متردد بعض الشيء لأنه لم يكتشف طريقه بعد وها هو ذا يجد كل هذا التوتر النفسي قد تبلور في رغبة أخرى غامضة كحلم، ولكنه اخطر من كل ما مر بعوامله المتشابكة الكثيرة الاهتزاز: هذه الرغبة: ما هي؟. وكيف يلقى أمانيه فيه؟. لقد سمع النقاد يرددون: أتخذ لك طابعاً. غلف أثرك بغلاف شكلي يشتمل على الشكل والجزء في آن. أبرزه في قالب يتوفر فيه عنصر التناسق!. . . وهنا يواتي فنانا الحائر هذا النوع من الارتياح يعرفه السائر في الطريق المجهول حينما يلمح فجأة الضوء الخافت يكشف له الخطوط الممتدة مرمى البصر ينبثق منها الأمل القريب.

ولكن: أثره وجد آماله في هذا؟.

لقد أراحه هذا في الناحية واحدة، وكان قاصراً عليه دون مناحيه كفنان، هي ناحية الشكل، ناحية الظل البادي في هذه الزاوية، والخافت المتدرج في الأخرى، والنور الملقى بضوئه في سائر الأجزاء. أما الداخل؟؟. أما هي الكيان نفسه،. أما في المضمون الفني. فما زال إحساسه قلقاً، ولكن بهارج الزينات التي يضيفه الطابع على ما حوله، قد أنسته حيرته بعض الشيء.

وما دام يتحسس الشكل، فيده لم توضع إلا على الأبعاد الوهمية للفن دون الداخل. تلك التي

<<  <  ج:
ص:  >  >>