للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تخاطبني.

ولماذا يقول هذا؟ إن الفن تعبير، وكل تعبير يعني الوضوح، فكل الناس تدور مع نفسها، ولكن الفنان - كما أسلفت - هو الذي يخرج هذه العوالم المغلقة على ذواتها، إلى الخارج الموضوعي.

ولا يمكن أن يصل إلى هذا الموضع إلا إذا سقطت عنه أقنعة النرجسية. . . لأن الرابط بين كل الحواس، يبدو واضحاً في حد ذاته لديه. إنه يعطيه التوازن في الربط، والتناسب في معطيات الوجدان، والتعاطف بينه وبين موضوعه، لأنه يحس حينئذ بأن ما يخرجه هو مسؤول عنه، إنه مولوده البكر يصرخ متلمساً موضع حنان.

ولكن: كيف تسقط النرجسية الراقية هذه؟؟

لدينا حكمة قديمة، ولكنها متجددة نابضة على مر القرون، حكمة قالها حكيم اليونان: اعرف نفسك. . . وإذا حصرنا حكمته في دائرة الفن، نجد المقصود بها أن يتجرد الفنان من خيالاته وأوهامه، يحلل كل قضاياه، يعرف كيف ينبع التيار النفسي أو من أين ينبع

ومتى عرف ذلك استطاع أن يضع نفسه موضع الآخرين، فتصبح ذاته - وقد تحللت - هي الذات التي تفهم تجارب النوع الإنساني كله.

فالفن في أبسط تعاريفه، تجربة وانفعال في مضمون واحد، وإزاء هذا لا بد أن نكون صادقين حينما نحس، وحينما نتأمل، وحينما نعبر، هذا الصدق الذي لا يصور الواقع تصويراً فوتوغرافيا، ولكنه يبدو في الإحساس بالواقع - مجردا من كل نفاق: وهل كان النفاق في عالم الفن إلا العجز الناجم عن غموض الموضوع لدى الفنان نفسه؟ هل كل سوى العجز الذي يعني أنه لا يفهم نفسه ولا يفهم موضوعه، ولا يمكن أن يكون صادقاً بغير فهم لهذين.

وهذا هو الصدق الفني.

وبوصولنا إليه نجد أنفسنا إزاء النتيجة الأخيرة في هذا الموضوع المتشابك: فالتعبير الصادق، يدفع بجزئيات الموضوع في تتابع صادق، ومتى شاركنا الفنان في فنه الصادق هذا نحس بالراحة النفسية بغير خديعة.

إن الفن هنا هو عالمنا. إننا ننتقل مع الموضوع في انسياب دائم، لا يواتيه تكسر أو

<<  <  ج:
ص:  >  >>