الكريم العزيز على قومه، لا ينتفعون منه ولكنهم يبقون عليه إجلالا للماضي وهيبة من التبعة ورجاء للمستقبل. . ثم تنادي الغير المصلحون بوجوب إخراج الأزهر من عزلته فخرج بلا شك. . صدرت من أجله القوانين وغير ت النظم واستحدثت الوسائل وجددت الأشكال والمظاهر، وحذفت كتب وجاءت كتب، وطمعت طرق التدريس فيه بما طمعت.
وخدع الأزهر بريق التجديد فأنطلق في سبيله عجلان لا يتلبث، وأسرف في هذا التجديد بلا تحديد، أو بلا تفرقة بين التجديد في المفيد والتجديد البعيد عن الجوهر والأصل، حتى أشفق بعض الناس على الأزهر الشرقي العربي الإسلامي المصري من هذه الوثبة الواسعة التي لا تطيقها قدماه اللتان طال بهما الوقوف والسكون، فدعوا الأزهر إلى التأني والالتفات إلى الوراء، لعله ترك خلفه ما هو أولى بعنايته واهتمامه مما يخطف بصره من بريق يتطلع إليه في الأمام.
ووقف الأزهر حائر مبلبل الفكر تائه اللب، يريد أن يرضي دعاة التجديد فيسمى نفسه جامعة، ويرسل بعوثه إلى أوربا، وينشئ كليات ومعاهد، ويقيم معامل وملاعب، وغير ذلك من أشكال وأنماط، ويريد أن يرضي أيضاًدعاة القديم فيدرس كتب القدماء، ويعني بالمتون والشرح والحواشي والتقرير، ويتزمت في التقيد بآراء السالفين حتى فيما تحسن فيه الحرية كالأدب والبلاغة وعلوم البيان. . ومن هنا يستطيع من يريد أن يلتمس للأزهر وجوه محافظة وإيثار للقديم أن يجد ما يريد من الشواهد والبراهين، كما يستطيع من يريد أن يصف الأزهر بالتجديد أو بالتجديد في الشكل دون الجوهر والأصل أن يجد ما يدلل به على ما يقول.
ونستطيع نحن أن نقول إن الأزهر الآن في فترة بلبلة واضطراب، فلا هو بالقديم ولا هو الجديد، وحتى اليوم نستطيع أن نقل إن الأزهر قد عرف طريقه المستقيم بين أنصار القديم وأنصار الجديد؛ فقد جدد فعلا ولكن التجديد في الغالب كان في الأساليب والأوضاع لا في المنهاج والأهداف، واستحدث فعلا ولكن على سبيل الاقتناع أو الاستقلال. وحسبك دليلا على هذا أن الأزهر في الغالب ينتظر حتى يتصرف سواء ثم يسير على خطاه!
والأزهر محافظ فعلا رغم هذا التجديد، فروحه وكتبه وأفكاره وطرزه في تناول الأشياء وأحكامه على أمور الحياة وخاصة عند الكبار، كل هذا لا يزال وثيق الصلة بالماضي،