قطعة زجاج، وبعض سوائل في أنابيب، ثم إلى المكرسكوب - جمادات كلها لا تكذب إذا كذب الإنسان. وبذلك، وبذلك وحده، نجا الشيخ من الشرَك، ونذر ما عاش أن يبتعد عن الآنسات ميلاً، وعن المتزوجات أميالاً.
ثم غلب التهمة الملحة في نفسه واقترن بأرملة، باعدت عنه الريب وحملت عنه أعباء الحياة.
أما همنا اليوم ففي تلك الأشهاد من الجماد. وقصة ذلك إن الدم الإنساني يتركب من كرات حمراء وأخرى بيضاء، يسْبحن في سائل يسمى المصل، عديم اللون أو هو كلون زلال البيض، يحتوي عدة مواد ذائبة فيه. وقد كشف العلماء في الكرات الحمراء عن مادتين تسمى أولاهما ألفاً والثانية باء. ووجدوا فوق هذا أن الكرات الحمراء للرجل (أو المرأة) قد تحتوي على المادة ألف وحدها، وقد تحتوي على المادة باء وحدها، وقد تحتوي على كليهما معاً، وقد تخلو منهما جميعاً. وبناء على ذلك قسموا الناس إلى مجموعات أربع: مجموعة ألِفية، ومجموعة بائية، ومجموعة ألفبائية، ومجموعة صفرية، نسبة إلى الصفر في قولك رجل صفر اليدين أي خاليهما. فأنا وأنت وكل أحد لابد واقعون في أحد هذه الأقسام. وتعرف المجموعة التي ينتسب إليها الفرد من تفاعلات تقع بين الدماء عند خلطها. فهب أني أنا من المجموعة الألفية ولا فخر، وهب أنك أنت من المجموعة البائية ولا حط من قدرك، فلو أنك أخذت شيئاً من دمي، وفصلت عنه مصله ومزجته بنقطة من دمك لتجمعت كراتك الحمراء وتزاحمت في هلع وارتياع، كقطيع النعاج داهمها الذئب، فاتخذت تحت المكرسكوب شكل عنقود العنب. وسبب هذا أن بدمي مادة معادية خصيمة لكراتك الحمراء، أو بالأحرى للمادة البائية التي بها. وعلى هذا تسمى مادتي هذه بالخصيمة البائية.
ولو أنك مزجت مصل دمك بدمي لتعنقدت كراتي الألفية كذلك، لأن بمصلك الخصيمة الألفية. فبدمي إذن المادة الألفية والخصيمة البائية، وبدمك أنت المادة البائية والخصيمة الألفية، والزوجان في دمك وفي دمي بالطبع على غاية المحبة والوفاق وإلا لتعنقدت كراتنا جميعاً وودعنا الحياة، لأن تلك الكرات لابد من نفاذها في الشعريات الدموية الرفيعة التي تصل ما بين الأوردة والشرايين وهناك دم ثالث نستعير لشرحه صديقي الأستاذ الزيات، فدم الأستاذ تجمع كراته الحمراء المادتين ألفاً وباء معاً، فلو أنك خلطت نقطة من مصلي