العبقرية والموهبة الفلسفية، ولابد من أن يكون لهذه الرسوم معان غامضة لا يستطيع العقل المتوسط أن يدركها، ويبلغ شاطئيها الساحرين. وفي اليوم التالي كانت الصحف تتحدث عن مولد هذا الرسام العبقري العظيم!!
وأغلب الظن أن بعض إخواننا الشعراء يؤمنون بهذا المبدأ إيماناً مفرطاً تتداعى أمامه كل حقيقة من حقائق الدنيا. . ومع أن الزمن يتقدم، والحياة تعرض علينا في كل يوم شيئاً جديداً، فإن الأخوان - حفظهم الله - يدخلون في هياكل غزتهم، ويطلقون في جنباتها بخور الأحلام العاجزة، والأوهام الواهية، ويعيدون على مسامعهم قصة الرسام وطريقة ظفره بالشهوة وذيوع الصيت يحاولون تقليدها بتكلف الغرابة وافتعال الغموض. .
هؤلاء الناس يجب أن يسقطوا من حساب الشعراء، فهم كالنباتات الطفيلية تعيش في رياض الأدب الفيحاء. . . والحياة ذاتها لا تقبل هذا الغموض فهي دائماً سهلة المآخذ، طيعة الفكر. وكل شذوذ عن الحياة ومخالفة لمنطقها يخفى نقصاً في الإدراك ومرضاً في القلب. . وخير العواطف الإنسانية وأعمقها وأكثرها صدقاً، وأرحبها آفاقاً تلك التي تصدر عن قلب سليم حساس.
إذن فنحن مطالبون بإهمال هذا الغموض، وإسقاط كل تعقيد من الشعر، لأننا بذلك نسقط كل تكليف وكذب ومراوغة وشذوذ. . والبساطة تحيط بنا أينما سرنا، فآفاق الشاعرية في الكون الجميل المتناسق العذب النغمات، وفي أعوار النفس البشرية التي لا نجد فيها إلا كل سهولة ويسر لا في تلك النوبات الهستيرية عند بعض خلق الله! ولا وراء اللعب بالألفاظ، والتقعر في المعاني، وخوض اليم لاستخراج الصور الغريبة. . وأعذب النغمات تلك التي تنساب في اتساق ونعومة؛ تلك التي تغمر القلب الإنساني بفيض من العذوبة والحنان؛ تلك التي تعمر الجانب المهدم من الإنسانية بمعاول البغضاء والشنآن!
ودعاة الغموض في الشعر مشغوفون لحد الجنون بالصور الشعرية يخلقونها من أية مادة كانت، ويمتاحونها من أي نوع من المياه حتى ولو كانت مستنقعاً، ويسلكون إليها سبلا مليئة بالأشواك! هم يحاولون أن يخلقوا عوالم جديدة من الصور ولو كان أساسها من رمال، وجدرانها من قش!! هؤلاء ليسوا بعيدي النظر، ولا دقيق التفكير؛ لأنهم يبدءون عملهم الأدبي من حيث يجب أن ينتهوا إليه؛ فلا يدركون قيمة الألفاظ ولا قدسيتها، فقد أقعدهم