العجز وفساد الطبع عن أسكناه العوالم التي تخلقها الألفاظ. فاللفظ الشعري إذا وضع في موضعه واتسق مع موسيقاه ومعناه الوضعي خلق وحده صورة شعرية جميلة تنطلق في الأجواء الوجدانية بشائر لأحاسيس جديدة. والشاعر الحق كما يقول شارلتن (من تميز عن سائر خلق الله بإدراكه لقيمة الألفاظ، ولما فيها من قوة وإبداع) فهم - إذن - في نظر شارلتن ليسوا شعراء!
وما دامت آفاق الشاعر في الحياة والكون وليست في الألفاظ التائهة والتعابير العمياء فهو مكلف بخلق أشياء جديدة أو قل نغمات جديدة. . فلقد آن لنا أن ننادي بإخراج الشعر العربي من القوالب القديمة التي تصب معاني متبلورة لا طعم هلا ولا لون! لقد آن لنا أن نهم أن القصيدة الشعرية صورة لتجربة وجدانية لا خلاصة من خلاصات التجربة، صورة يجب أن تبرز في جميع معالمها، وتتألف جميع ملامحها وألوانها في التعبير عن التجربة الشعورية. . فالتجربة الشعورية ليس القصد منها استخراج قانون، أو الاستفادة من موعظة! فتلك وجهة نظر الأخلاقيين لا الشعراء.
والشعر العربي فقير إلى الإخراج. ومن هنا أنفتح باب كبير شغل النقاد العرب زمناً طويلاً وهو (باب السرقات). . ذلك لأن تلك المعاني المودعة في ألفاظ قليلة كمعاني حكية، أو كنتائج لتجارب وجدانية مجهولة، سهلة السرق يتصرف بها أي شاعر وينقلها في ثوب جديد!
أنا مؤمن بأن النفوس الإنسانية تتغاير سمات وملامح، وتختلف أمزجة وطبائع. . فمن الحماقة تطبيق علم النفس على التجارب الوجدانية. وإذا كان لابد من استعماله بعض الشيء فيكون بعد انتهاء التجربة على النصوص الأدبية لا قبلها لإدراك بعض الخصائص العامة فحسب. . ونحن سنجد أن احتفال الشاعر بطريقة من طرائق التعبير أو بلفظ من الألفاظ الشعرية راجع إلى دخيلة نفسه وطوايا ضميره وقد لاحظ النقاد أن (بودلير) كان يستعمل كلمة (أسود) وما يؤدي معناها كثيراً في شعره. ولا شك في أن هناك صلة وثقى بين حياة بودلير البوهيمية الصاخبة وخروجه من معترك الحياة محطم النفس، خائر القوى تتناهبه عوامل السأم والضجر والخيبة المريرة، وبين تلك الألفاظ التي تعبر عن واقع حاله وآلام نفسه. . وكذلك كان اوسكار وايلد الذي لقي من المجتمع اضطهاداً منكراً، وجبروتاً