مؤلماً، ونفوراً مقيتاً، نراه يستعمل لفظ (المجتمع الحاضر) أو العصر الحاضر كثيراً في مسرحياته وأقاصيصه، ويستعمله بسخط وازدراء، وفي موضع تشف وانتقام وكراهية!
وما دام الأمر كذلك فإننا سنجد عند الشعراء العظماء شخصية فنية متمايزة بخصائصها لها لونها الخاص، وكيانها المحدد وأدع القارئ يفتش عن الشخصية الفنية بين هذا الجمع الزاخر من المتشاعرين لعله يظفر بما لم أظفر!!
الحق أن الشخصية الفنية في خطر. وإذا قلنا هذا فقد قلنا إن الشعر العربي يمثل الآن مجاعة في الوجدان. . إن الشعر العربي يقاسى أقسى أزمة؛ ذلك لأن الذين يعالجون قرض الشعر لم يفهموا حتى الآن ما يسمى بالصدق الوجداني. . فهم لا ينفذون إلى أعماق نفوسهم ليكتبوا عن انعكاسات العالم فيها، واستجابتها لما يحيطها من الأشياء. . بل علموا كالأوراق اليابسة فوق السطح ليجتروا عواطف غيرهم، ويعيدوا على مسامعنا تجارب الآخرين بصورة مشوهة، ونغم بال. . واختفت في عالم الشعر الشخصية الفنية ولاح شاعروا واحد فجع بشيء لا اعرفه فظل يبكي بدموع غزار!
وأصبح نقادنا حفظهم الله - يطلقون الألقاب جزافاً، ويصفون الشعراء صفات مبهمة. وأصبحت كلمات الإبداع والعبقرية والصدق والرفعة في الأسلوب، والسمو في العاطفة حقيرة رخيصة تباع بالجملة في أسواق الوساطة والشفاعات
يخيل إلي أننا لم نظلم كلمة مثل ظلمنا لكلمة (العاطفة) فقد شاء ربك أن تصبح هذه الكلمة القدسية مبتذلة تلوكها الألسن، ولا تفهم حقيقتها العقول!. نحن نصف العاطفة بالصدق تارة، وبالضيق أخرى، وبالإبهام تارة أخرى. . فما هي تلك العاطفة؟!
العاطفة عندي هي الإدراك الوجداني تقابل الفكر وهو الإدراك العقلي. . فالعاطفة هي العين التي تهدينا قلبياً إلى ينبوع من الحقيقة والجمال. . ونحن في حياتنا الوجدانية نستشير قلوبنا أكثر مما نستشير عقولنا!! وما دامت العاطفة إدراكاً وجدانياً فهي تختلف آماداً، وتتباين في عمقها واتساعها. . فهناك إدراك ضيق مريض يدور حول نفسه ولا يخرج إلى رحاب الإنسانية الطليقة؛ كذلك الإدراك الوجداني القائم على اللذة وحب الذات حين ينشأ الحب بين فتى وفتاة ينحصر في حدود ذاتهما، ويتلون بلون مزاجهما، فذلك اللون من الإدراك أناني مفرط في الأنانية. ونحن نعلم حين يصاب شاعر من شعرائنا بهذا المرض