ويقول غيره من الداعين إلى هذه المذاهب:(لا يتولد الدين إلا تحت تأثير النير الاقتصادي، ولا يكون ذلك إلا في المجتمعات التي تقوم على أساس الطبقات) ثم يقول: (إن الشروط الاجتماعية التي كانت تنشأ عنها العقائد الدينية قد بادت، وأن الدين قد أضحى كائنا ميتا لا حياة فيه ولا أثر له في اقتصادنا ونظامنا الاجتماعي الذي تتطلبه حياة التقدم والرقي.)
هذه هي المفتريات التي يوجهها هؤلاء الواهمون إلى القوانين السماوية، ليجتثوها من النفوس فيصبح العالم فوضى لا ضابط له ولا نظام فيه، وهي مفتريات باطلة، كما يراها المتأمل في التعاليم الدينية بعين البصيرة، البعيدة عن الأهواء والزيغ، فإن الذين يرزحون تحت كلا كل الظلم، والذين ما نرى ذوي السلطان وأصحاب الموال ومن يتمتعون بمكانة اجتماعية ممتازة، أكثر تمسكا بالدين من أولئك الفقراء المظلومين، بل هناك من الملوك والأمراء من نزلوا عن عروشهم وتنازلوا عن إماراتهم تورعا في الدين وزهداً في متاع الحياة الدنيا، فهل هؤلاء يرضون تحت وطأة الفقر والحاجة؟ وقد توهم الشيوعيون أن في مقدورهم تقويض سلطان الدين لأنهم ظنوا أنه يستمد سلطانه من فقر الجماعات وجوعها ووقوعها تحت سلطان القادة المتجبرين يسومونهم سوء العذاب، وفاتهم أن الدين يستمد سلطانه من أكرم ما يوحيه العقل وأشرف ما يبعث من عواطف في النفس.
والإنسان الذي يكون كل همه السعي في طلب القوت وكل تفكيره منصرفاً لاستنباط الحيل للحصول عليه، لا يجد وقتاً يساعده على التأمل في الدين وتعاليمه أو التفكير في مصيره. بل إن الإنسان إذا أشتد به الظلم والفقر، كثيراً ما يؤدي به هذا إلى الكفر والخروج على طاعة الدين ومخالفة أوامره.
هذه نظرة عجلى في أركان المذهب الشيوعي نستطيع أن نستخلص منها أن الشيوعيين قد خيل لهم وهمهم أن الإنسان كائن لا يهمه إلا امتلاء بطنه، وأن همه الأكبر لا يخرج عن هذا العمل فهو لا يسعى للبحث عن المثل العليا ولا عن الغذاء الروحي الذي يغذي النفوس والتي هي دائماً في تعطش إليه، ما دام قد وجد ما يشبع كرشه