وقد بدأ الدكتور طه حسين بك مناقشته بالثناء على هذا العمل الأدبي الذي قامت به السيدة، فوصفه بأنه عمل خطير، قائلاً: إنها قدمت نصاً محققاً ميسر الفهم قد بعد أشد البعد عن التشويه والاضطراب، وقد كانت دراسة أبي العلاء مهملة فحمل عليه كثير من الأكاذيب، وقد أحسنت بهذا العمل إلى أبي العلاء وإلى العلم، وقدمت إلى عالم الأدب خدمة جليلة تستحق عليها شكراً أي شكر وثناء أي ثناء، وتغيرت نبرة معاليه في صوته المعبر وهو ينتقل من هذا الثناء، فيقول: كل هذا لاشك فيه، وإنما الشيء الذي فيه شك هو أنك تشعرين شعوراً قوياً بجلال العمل، وهذا أول ما تؤاخذين به من نقد، فأنت أثرة مستأثرة جئت تلتمسين الموافقة على جهدك وقد وافقت أنت عليه من قبل، ولم تنتظري التشجيع فشجعت نفسك بنفسك، وأثنيت عليها ثناء مسرفاً، وليس أبغض إلى الله من الثناء على النفس لما فيه من الرياء والغرور، وكنت أحب أن تقبلي علينا متواضعة راضية، بما قدمت من جهد منتظرة رأينا فيك وفي عملك، وأنت لا تكتفين بذلك وإنما تهاجمين غيرك في الموازنة بين النص الذي تقدمينه وبين ما نشر قبله. وكان يجب أن تتركي لنا هذا، ولكنك تأبين إلا أن تتناولي النصوص مشنعة، وليس التشنيع من الحث العلمي، وإنما هو أقرب إلى الصحافة وإلى الصحافة المهوشة. . وعسى أن تكون خطورة هذه المسألة من أنك لم تنسى بعد ما يتصف به الطلاب الشبان من الطموح إلى التفوق والحرص على السبق وإرضاء الأستاذ فكأنك حريصة على أن تكون الأولى كما يفعل التلاميذ في المدارس الثانوية. عقلك عالم ولكن خلقك شاب، والشاب الذي لم يجرب هو الذي يريد أن يسبق. والنصيحة التي أقدمها إليك تنحصر في جملة واحدة قد أخذناها عن شيوخنا في الأزهر وهي: من تواضع لله رفعه.
وبعد ذلك لاحظ معاليه أنها تذكر كلمة (المنهج) مطلقة من غير إضافة لشيء كالجامعة مثلاً، وخاطبها قائلاً: مادمت حريصة على المنهج فتعالي أناقشك، وناقشها في عدة مسائل، منها أنها تحدثت عن سياسة العرب الإسلامية أيام رسالة الغفران من أفق عال من حيث التحدث عن الملوك والأمراء، وأهملت عنصر الحياة الشعبية والاجتماعية مع ما لهذا من أثر في أدب أبي العلاء، كتشاؤمه الذي يرجع إلى اضطراب الحياة الاجتماعية واختلاف الطبقات. ومما ناقشها فيه قولها: إن أبا العلاء رجل محروم مكبوت، لأنه لما يئس من العفة تشاءم.