قال الدكتور طه: إن أحداً لم يسيء إلى أبي العلاء كما أسأت إليه بهذا القول، هل كان أبو العلاء حريصاً على الاستمتاع ثم زهد عن عجز؟ تقولين هذا ثم تدعين أنك تكبرينه، ولم تأت بنص واحد يثبت أن كان حريصاً على اللذات، لقد كان أبو العلاء يرى أن اللذات الكبرى هي التي لا ألم وراءها كان يرى الإنسان حقيراً وحياته لا تستحق العناية، كان يقول:
ولم أعرض عن اللذات إلا ... لأن خيارها عني خنسنه
لقد خدعك ما يكتبه الأوربيون عن الكبت والحرمان وقد سمعت في مصر وفي الشام ما قيل من أن أبا العلاء حمل على المرأة لأنه لم يستطع أن ينالها، وهذا ليس من الإكبار لأبي العلاء في شيء.
وأذكر أني قرأت هذا الرأي الذي أشار إليه معالي الدكتور طه حسين بك، في كتاب (رأي في أبي العلاء) للأستاذ أمين الخولي، وقد سمعت ما قاله الدكتور في تفنيده وتفنيد ما جاء متصلا به في الرسالة موضوع المناقشة، فلم تقتنع نفسي بهذا التفنيد، لأن تحقير أبي العلاء للذات الحياة لا يمنع أن تكون رغبته فيها كامنة، ولا أقول بأنه يرائي، إنما كان تحقيره قائماً في شعوره الظاهر على سطح ما استسر في غريزته، وعلى ذلك ليس من الممكنات الإتيان بنص يثبت حرصه على اللذات، وليس ما يقوله في الزهد والإعراض عنها دليلاً على عدم الرغبة لما كبتت ولدت النفور. ولست أدري لماذا لا نأخذ في هذه المسألة بما يكتبه لأوربيون عن الحرمان والكبت والشعور الظاهر والعقل الباطن.
ولولا أن صوت الدكتور طه حسين معبراً لما وقفت عند ذكره الصحافة في مقابل البحث العلمي. ولست أريد أن أعرض لما عساه أن يكون قد قصده من أن اشتغال صاحبة الرسالة بالصحافة غلب عليها في جزء من دراستها وهو الخاص بالطعن والتشنيع على من سبقوها في تحقيق رسالة الغفران، ولكني أقول إن فضل الصحافة في تقديم الأدب إلى الناس لا ينكر، وإن قسماً كبيراً جداً من إنتاج أدبائنا وخاصة كبارهم رآه القراء أول ما رأوه على صفحات المجلات والجرائد، وأقول أكثر من ذلك: إن كل أدبائنا الكبار منسوبون إلى الصحافة وقد كاد العميد الكبير أن يكون نقيب الصحفيين كما يعرف القراء مما جرى في آخر عهد الوزارة السابقة، ولعل اسم معاليه لا يزال إلى الآن مقيد في جدول الصحفيين.