للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعين مدير للسجن جديد كان من أولى النشاط، حازماً لا يستهان به. وأخذ المسجونون بسبب صمته هذه يحدجونه بنظرات آثمة، ويتذمرون تذمراً منه دون سبب حقيقي.

وكان لهذا المدير طفلة صغيرة تدعى أورورا، لم تبلغ الخامسة بعد حين عين أبوها مديراً للسجون. وذهبت عصر يوم مع أبيها إلى فناء السجن ساعة الغداء. وبينما كان يقوم بوزن غداء السجناء ذهبت الطفلة في شجاعة الأطفال وأخذت تحدثهم، وكلمتهم جميعاً وضحك نفر منهم، وطلب البعض منها أن تشفع لهم عند أبيها، ولكن فريقاً منهم تمتم بألفاظ نابية ضد الأب وابنته.

وكان الذئب وحيداً، بعيداً عن الآخرين، جالساً على الأرض وظهره مسند إلى الحائط، وغداؤه موضوع بجانبه لم يؤكل نصفه، وكان يعمل بسرعة تبعث الدوار في صنع جورب. وكان مطرقاً برأسه ولم يرفع بصره حتى عند ما أصبح الوالد وطفلته على قيد خطوتين أو ثلاث منه. ونظر بطرف عينه، لحظة لا غير، إلى الرئيس وابنة الرئيس.

وحولت البنية أن تقترب منه، ولكن أباها منعها.

وقالت أورورا (أريد أن أقترب منه، وأتفرس فيه.)

فقال الأب (كلام أنه شرير جداً، خطر جداً، ربما يلطمك)

فقالت الطفلة (أنظر، أنظر، يا أبت، كيف يبدو! وأنه ليصنع جورباً!) فقال الأب:

(إنه ليصنع ذلك على الدوام؛ وقد أخبرني المدير السابق أنه شديد الخطر، وقد قضى في السجن كل حياته تقريباً. وله الآن هنا ثلاثون عاماً.) فقالت الطفلة

(ثلاثون عاماً! يا للمسكين! يا للرجل المسكين!)

ولما سمع (الذئب) الكلمات (يا للمسكين! يا للرجل المسكين!) رفع بصره، ورمق الطفلة بعينين محملقتين، ولكنه لم ينقطع عن العمل بإبرته، وكان المدير على وشك أن يقول لأبنته الصغيرة كلاماً، ولكنها انفلتت إلى الأمام وهي تصيح (سأمنحه قبلة.)

وقد فعلت ذلك. واقتربت من (الذئب) وقبلته دون اشمئزاز أو خوف، قبلة في وجهه تماماً، وهي تقول (خذها، ولا تكن شريراً بعد!)

وكأنما أصابت (الذئب) صاعقة. ولم يفه ببنت شفة، ولكن خرج من حنجرته صوت حشرجة، كالمشلول الذي يود الكلام فلا يستطيع، لما بلغ الأب وابنته الباب المؤدي إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>