للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

شيئا)، وشيء هام جدا هو ان العقل محدود، أما الارادة فلا حدود لها فالعقل لا يتأمل إلا جزاء فقط من الحقيقة، أما الارادة فإنها تتعلق بكل شيء سواء في مظاهرها أم في حقائقها.

ثم يتسامى ديكارت إلى أفق الميتافيزيقا فيفرق بين الحرية الإنسانية والحرية الإلهية، فالأولى تبحث عن الحقيقة التي خلقتها الثانية. والإرادة والمعرفة عند الله شيء واحد، وعند الإنسان: الإرادة مقدرة مطلقة دون المعرفة.

والأيمان - عند ديكارت وعند معظم معاصريه - يكفي لتوجيه الحياة، وهو يقول (بما أن أرادتنا لا تهتم إلا باتباع أمر أو عدم اتباعه حسب ما يصوره لنا العقل حسنا أم سيئا، فإنه ليكفي أن نحسن الحكم لنحسن العمل. وأن نحكم أحسن ما نستطيع أي للحصول على جميع الفضائل).

هذا هو موجز التخلق عند ديكارت، فإجادة الحكم هو إجادة العمل، وبما أن الوضوح هو القاعدة الأولى لاحكامنا، وأن الوضوح علامة الحق، فكذلك أعمالنا لها ما لعزماتنا من القواعد، فليس هناك حقيقة علمية تنظم روابط أعمالنا، وإنما الحقيقة واحدة نظرا وعملا، فالإرادة الحرة تحددها أفكارنا التي ليست نظرية وعملية، هي شيء واحد ولا فضل لاحداهما على الأخرى. إذ الأولى قيمتها في العظمة، والاخرى قيمتها في الكمال كما يقول ملبرانش.

ومن أجل الطرافة التي اتى بها ديكارت بشأن حرية الارادة استحق أن يسمى (فيلسوف الحرية). وكلمة الحرية هنا وعند ديكارت ذات معنى حر إذ تمتد من النفس الانسانية حتى تنتهي إلى الحرية السياسية.

وبهذا تكون الأخلاق اليكارتية ترجمة لنظريته في المعرفة، إذ يرى - وقد سبقه سقراط - أن الجهل والرذيلة شيء واحد.

كما أن العلم والفضيلة شيء واحد، فرؤية الحق بوضوح هي إرادة الخير مباشرة، والرذيلة خطأ، والخطأ ناشئ عن معميات وأوهام وأضاليل، فنحن لا نرى الشر بوضوح، والشر الذي نرتكبه يتمثل دائما في صورة الخير (فإذا نحن رأيناه واضحا كان محالا أن نأثم حين رأيناه على ذلك النحو، ولذا قيل الخطأ جهل، وكل خطأ يرجع إلى آرائنا ونزعاتنا ورغباتنا. ومهما يكن من شيء فنحن لا نقدر إلا على أفكارنا).

<<  <  ج:
ص:  >  >>