وتتضح بذلك خصائص الأخلاق الديكارتية وتتركز في كونها (معرفة عاملة) فضلا على أنها علم معياري لانه يضيف الحرية ومثالا واضحا للواقع، بل هي علم للنظام المثالي.
والتخلق هو أن كل موجود وكل فعل يجب أن يضع في نصابه، والوظيعة الأخيرة للإرادة هي أن نتوسل بالنية إلى هذا النظام، ومعرفة هذا النظام هي إذن ذات الشأن العظيم، فالرغبة في معرفة النظام، ثم الرغبة في اتباعه هو أساس التخلق عند ديكارت، وإذن فالبرجماتزم على اوضح صوره متحقق في الأخلاق الديكارتية العملية.
ويعنى ديكارت بالانفعالات بغية ترويض النفس تبعا لمعرفة هذه الانفعالات. وبذلك نستفيد منها في غرس عادة جديدة ونزع أخرى ولا سيم أن النفس الانسانية هي القابلة للتعود والتخلق.
والانفعالات بطبيعتها توجه ألا راده قبل العقل لكسب معارف جديدة (الدهشة)، والبحث فيما هو نافع لنا (الحب) والهرب مما هو غريب عنا (الكره)، ولكن هذه الاتجاهات تستمد أيضا من الأحكام على الخير والشر، وهذه الأحكام شأنها شأن الانفعالات التي تبقى في حدودها الطبيعة، وإنما هي أحكام حقه، ولكن يندر أن تكون كذلك.
وبعد، فهل من سبيل إلى التعرف على سلوك ديكارت، ونحن نعلم أن مذهب الفيلسوف قطعة من حياته؟ الحق أن قراء ديكارت يختلفون كثيرا على نص واحد يكتبه، فهو في المقال عن المنهج بصدد الحديث عن القسم الأول يقول (وآمل أن يكون هذا الكتاب نافعا للبعض دون أن يضر أحدا، وان يرضي عني الجميع لصراحتي). هذه الجملة البسيطة، تحمل من اللفتات التهكمية اللاذعة ما لايستطيع قارىء أن يمر به مر الكرام. إذ هو يتواضع تواضعا جما في عرضه لارائه على الناس، وهو إذ يقصد إلى أن يتنع الناس جميعا هذا المنهج الذي أنتهجه نراه يتخفى وراء هذه الغابة فيتخذ من تواضعه ما يشف عن رغبته هذه. وهو أيضا يعبر عن نفسه بأنه صريح. والواقع أن هذه ليست صراحة، إنما هي تقنيع للفكرة التي لا يريد التصريح بها حذر الوشاة والخراصين.
وديكارت بهذا يقوم - كما يقول كوييربية بدور (المناورة السقراطية) ومصداق ذلك قولة (. . . لم اكتسب من اجتهادي في التعليم الا تيبني جهالتي شيئا فشيئا) ولقد سئل سقراط عما يعرف فقال (كل ما أعرف هو أنني لا أعرف شيئا).