إلا أن النصر كما ترى أجود قولا من صاحبه. والصورة الشعرية في قوله:
والليالي بالأماني أقبلت ... باسمات الثغر عن در نضيد
خير بكثير من الصورة التي في قول الليثي:
بها تزف الأماني في مواكبها ... لكل راج ويرعاها أخو السمر
ولم يقف أبو النصر عند المدح طويلا، بل اكتفى بهذه الأبيات الثلاثة. ثم أنتقل إلى ذكر الجيوش السعيدية. وقد أجاد في الانتقال. فبعد أن ذكر الليالي المقبلة بالأماني، قال:
معربات عن جيوش تزدري ... بالآلي في العقد الفريد
سادة إذ شيدوا بيت العلا ... لم يزل مدحي لهم بيت القصيد
إن بدت أعلامهم في موكب ... جاءت البشرى على خيل البريد
أو تبدى طيفهم يوم الوغى ... مزقت منه العدى خوف الوعيد
والذي يظهر لي من هذه الأبيات أن الشاعر وضع نصب عينيه عبارات (العقد الفريد) و (بيت القصيد) و (خيل البريد) ثم شرع ينظم كل بيت بحيث يتفق مع إحدى هذه العبارات. ولذلك كانت معانيه تافهة. وما قيمة خيل البريد هذه بجانب الأسلاك البرقية وقد عرفت في مصر منذ عهد محمد علي؟ ووصف الجيوش بأنها تزري باللالىء في الحسن والجمال. ولكن عبارة (العقد الفريد) قد استهوته وسيطرت على تفكيره فساقته إلى هذا الوصف وكذلك قوله:
سادة إذ شيدوا بيت العلا. . . الخ فلم يذكر بيت العلا إلا ليقول بيت القصيد. ثم أستطرد في وصف هذه الجيوش في أبيات ذكرناها عند الكلام عن عصر سعيد.
وقد لاحظنا أن الليثي كان يبدأ المدح بذكر الليالي والأماني والأنس ويأتي بصور الرياض والأزهار والطيور والجاول وغير ذلك. أما أبو النصر فكان يبدأ في الغالب بغزل طويل متكلف ممل، ثم ينتقل إلى المدح الذي لا يستغرق فيه سوى أبيات قليلة قد تصل إلى أربعة أبيات أو خمسة. ومن قوله يمدح أسماعيل:
إليك خديوي مصر تصبو المحامد ... ومنك ترجى للأنام الفوائد
وعنك حديث المجد يروى صحيحة ... وفيك لآيات الفخار شواهد
وأنت أخو العليا وأنت أبو الفدا ... وأنت لكف الدهر لكف وساعد