وضقت بجمودها ذرعا فسألت والديها عما يدعوها إلى النفور مني، فأكد لي أنها شديدة الخجل وأنها في حاجة إلى مدة كافية ريثما تألف صحبتي. فحفزني هذا الكلام على انتهاج خطة جديدة للتقرب أليها، وبدأت أوليها نصيبا كبيرا من عنايتي. وسرعان ما أخذت فلورا تتحرر من جمودها شيئا فشيئا وإن لم يزايلها خجلها الشديد.
(إن فلورا طفلة عجيبة). تلك هي الفكرة التي نبعت في أعماقي وتسربت إلى جوارحي رويدا رويدا حتى تشبع بها كياني. إنها عجيبة بوجهها البريء وخجلها الساذج وسلوكها المثير. وكلما ازددت بها معرفة اشتدت محبتي لها. شيء معين فيها كان يضرم حبي. أهي تلك النظرة الوادعة التي تطل من عينيها دوما؟! أم تلك الحمرة الوردية التي تصبغ وجنتيها أبدا بصبغة الحياء؟! أم تلك الملامح العذبة التي تعبر أدق تعبير عن طهارة الطفولة وجمالها السامي؟! لا ادري بالضبط، ولعل تلك الأسباب مجتمعة كانت تحببها ألي. وحمدت الله حين بدا لي أن نفورها القديم مني قد اختفى تماما. وعجبت كيف ألفت صحبتي بتلك السرعة المدهشة حين غمرتها باهتمامي. واصبح من الواضح أنها تحمل لي بين جنبها مودة عميقة. لكن هدوءها المتناهي وخجلها الشديد كانا يطبعان حركاتها بطابع التزمت. ولعل الشيء الوحيد الذي كان يعلن عن تلك المحبة هو عينيها. . . عيناها المنطويتان على بحر جياش بالعواطف المضطرمة. ومع إنها كانت تحب أن تجلس إلي دوما، إلا إنها لم تكن تقتحم علي غرفتي أبدا، بل كانت تنتظر في لهفة أن أسالها ذلك بنفسي. واعتدت بدوري أن استدعيها إلى غرفتي عصر كل يوم حين تعود من المدرسة، لتقص علي ما مر بها من الحوادث النهار. وقد يصادف أن يضيق وقتي عن الاستماع أليها بعض الأحيان، فاضطر إلى القراءة والتظاهر بالاستماع، فكانت تكف عن الكلام وتركن إلى الصمت رغم احتجاجي. وتتجمع على نفسها في مقعدها، ويصبح كل وجهها عينين. . حنونتين تتعلقان بوجهي في شرود! لكنها رغم كل شيء كانت تحرص على قضاء العصر معي، فتتعمد المرور أمام باب غرفتي - ساعة رجوعها من المدرسة - وتخاطب أمها بصوت عالي ليبلغ مسامعي، حتى ادعوها ألي.
والواقع أنني لم استشعر الضيق من إقبالها على صحبتي بهذا الحماس العظيم، بل كنت أشجعها على ذلك غاية التشجيع، حتى إنني أقبلت حين سألتني ذات يوم في إلحاح أن