الزرقاويين يراها (كيوبيد) إله الحب منتهى حبه وإطار خياله، ويمسح بثوبها الأزرق دم كل سهم من سهامه التي رمى بها العشاق فترتعش الرعشة الكبرى، رعشة الرعشات؟
لا أدري لماذا يرتعش البحر ولا هو يدري. هو البحر ومع ذلك لا يعرف نفسه، ولعله لا يعرفها لأنه البحر. .
وأرهفت أذني للموجه الزرقاء فسمعت أصواتاً تقول لي: أنظر كيف تشق عبابي السفينة، ويلعب بأحشائي الغواص، وكن مثلي رحب الصدر صبوراً - صارع صخورك كمرجاتي وكن وثاباً، وإذا استرحت فلتكن راحتك تأهباً لوثيقة الغد - أنا مع عظمتي أسير تقيده الشواطئ فاذكر دائماً أنك مهما علوت وشمخت وحملت الصوالجة وركبت العروش لا تستطيع أن تكون حراً؛ وأن الحياة جهاد للتملص من ربقة الشاطئ الذي يقف في طريق النفس الهائجة فيمنعها من أن تتجلى بكل ما فيها من أنوار ونيران لتحقق أحلامها وتسكب خمورها - أنا وادع ثائر عاقل مجنون، فكن مثلي حكيماً وفرق بين سيفك ونداك. .
وسمعت صوتاً صارخاً يقول: أيها المشرف على عالمنا المتفرس في حياتنا البحرية، أنظر إلي أنا السمكة الصغيرة تبتلعني السمكة الكبيرة لأنها القوة ولأنني الضعف! وإليك أشكوها أيها الإنسان؛ فهل لك أن تحول بطشها عني وتضع في قلبها شيئا من الرحمة والحنان؟ فقلت لها: أيتها المستجيرة بي، بنا على الشاطئ مابك في الماء، نحن أسماك الأرض يأكل كبيرنا صغيرنا، ويقتل قوينا ضعيفنا فسيف القوة مصلط في البر والبحر؛ وكأن الأقوياء فيهما يؤلفون عصبة واحدة ويتنادون؛ فكلما ربح الظلم فريسة في بطن الماء ربح أخرى على سطح الأرض. الظلم يا سمكتي الصغيرة قديم، والظلم في كل مكان. فلا تستجيري بأبناء الأرض، ولا تحسبي انك إذا خرجت من الماء أفلت من قبضة الأقوياء. .
ودرت حول البحر أسأله: هل هناك ما يشبهك في الأرض؟
فقال: تشبهني الصحارى ولكنها بحور جامدة، والليالي ولكنها بحور سود. .
وسألته: كيف أنت والأفق؟ فقال: شقيقان لفظتنا أحشاء امرأة هي الطبيعة؛ والصلات التي تجمعنا عديدة. فلوننا واحد هو الزرقة، وجيوشنا لا تعد ولاتحصى؛ فللافق نجومه ولي موجاتي، وكلانا رمز العظمة واللانهاية؛ ولكل منا وجهة الغضوب. فللأفق صاعقته التي يعطس بها أنفه، ولي بركاتي الثائرة، وفي قلبينا تستقر الدرر. .