للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الخلاف بين آراء الشيعة وآراء غيرهم شكلي محض لا يمس الجوهر. فنسبة النحو إلى علي نسبة الموجه والمرشد ونسبته إلى أبى الأسود نسبة المدون والواضع.

والخلاف الثاني: ما هي الأصول الأولى التي نسج أبو السعود على غرارها وما هي المسائل التي عالجها في كتابه الأول، وما طريقة ذلك؟

ظن كثير من العلماء أن أبا الأسود كان يجيد السريانية، وكان يخالط السريان والكلدان في أرض العراق، وقد كان للسريان نحو قريب الشبه من نحونا وقواعد تشبه قواعد العربية، وكلاهما من اللغات السامية. هذه ظنون جالت بأدمغة المفكرين ممن حاولوا التفكير في تاريخ علوم اللغة. فقالوا: إن أبا الأسود درس اللغة السريانية واستنبط قواعدها وطبقها على اللغة العربية.

ويدعم هذا الرأي عذرهم أن قواعد اللغة السريانية وضعت في القرن الخامس حين وضع يعقوب الرهاوي المتوفى سنة ٤٦٠م كتابا في قواعد السريانية، بينما وضعت قواعد اللغة العربية في القرن السابع. وإذا كان أبو الأسود قد توفى سنة ٦٨٩ هـ تقريباً عرفنا أن محاولة تدوين قواعد العربية كاتب بعد أكثر من قرنين من المحاولة الأولى التي أجريت على السريانية.

والراجح في نظر المنهج العلمي أن أبا الأسود لم يتأثر بالسريانية ولم ينقل شيئاً من قواعدها إلى العربية؛ وأن التشابه بين اللغتين مردود إلى ما بين طبيعية العربية وطبيعة السريانية من صلة وانتمائهما إلى أصل واحد هو اللغة السامية. ويعزز هذا الرأي الذي ذهبت إليه نماء النحو في اللغة العربية وجموده وانكماشه في اللغة السريانية وغيرها من الفصائل السامية الأخرى. كما أنه ليس هناك من دليل مادي يؤيد دعوة المخالفين وهي دعوة ظنية لا يعتمد بها المنهج العلمي.

فنحن لا ننكر نسبة وضع النحو إلى أبى الأسود لأنه ليس هناك من دليل مادي يرد هذا النقل، ونرفض كل الرفض تأثره بالسريانية لأنه ليس هناك دليل مادي يؤيد هذا الظن.

هذه ذكرى أبى الأسود - وقد مضى على وفاته ثلاثة عشر قرناً. وإني لأرجو أن تثير في نفوس المفكرين الحمية إلى دراسة علوم اللغة دراسة تاريخية تفصيلية. وإني لأرجو أن أعيد هذه المحاولة في (تاريخ النحو) وقد بدأت مثيلتها بالأمس القريب في (تاريخ البديع).

<<  <  ج:
ص:  >  >>