أسامة - وذلك ما جعل كبار الصحابة يشيرون على الخليفة بإبقاء الجيش ليعتز المسلمون به في محاربتهم أهل الردة - إلا أن الواقع لا يؤيد ذلك إذ لا يعقل أن يصل نعي النبي إلى بلاد عمان والبحرين فيرتد أهلهما ويصل ذلك النعي إلى المدينة وجيش أسامة قاعد لا يحرك ساكناً. وإذا كان الخليفة يريد أن ينفذ أوامر الرسول فلماذا يؤخر حركة هذا الجيش طول هذه المدة؟ وتدل الأنباء على أن أول من أنبأ بالارتداد عامل مكة وأعقبه عامل الطائف بالخبر، ثم ورد عمرو بن العاص إلى المدينة بخبر ارتداد أهل عمان والبحرين ونجد، وكان الرسول بعد حجة الوداع قد أوفده إلى عمان، فلما بلغه نعي النبي قفل راجعاً إلى المدينة وأخبر بوضوح أن الغرب ارتدت من دبا إلى المدينة، والمدة التي تصل فيها أخبار الوفاة إلى عمان ليست قصيرة، كما إن السفر من عمان إلى المدينة أيضاً يتطلب عدة أيام، لأن المسافة بين عمان والمدينة ١٢٥٠ ميلاً (أعني مسيرة أكثر من عشرين يوماً على الذلول)
ومن الواضح أن كبار الصحابة لم يرتأوا إبقاء جيش أسامة بمجرد رؤيتهم قبائل فزارة وغطفان يرتدون، والأمر الذي لاشك فيه أن خبر امتناع بعض القبائل العربية القريبة من المدينة عن تأدية الزكاة وردت إلى المدينة قبل حركة جيش أسامة.
وإذا صح ادعاء الرواة بأن خبر ارتداد العرب في أقصى البلاد ورد إلى أبي بكر فأطلعه على حرج الموقف قبل سفر جيش أسامة، فيكون الخليفة قد جازف مجازفة خطيرة، بإيفاده الجيش شمالاً بينما كان الخطر يهدد المسلمين في عقر دارهم.
ومن الرواة من يزعم أن أبا بكر شرع في قتال أهل الردة بعد عودة جيش أسامة، ومنهم من يدعي أن قتال ذي القصة والربذة جرى قبل عودة الجيش.
أما نحن فنميل إلى الاعتقاد أن القتال وقع قبل عودة الجيش، إذ لا يعقل أن تتواطأ غطفان على الهجوم على المدينة، وتعلم بأن جيش أسامة مرابط في شمالها. بينما الروايات التي يستند إليها الواقدي والبلاذري تدل على أن قوة المسلمين كانت ضعيفة في ذلك القتال.
الشروع في العصيان:
أول من شرع في العصيان خارجة بن حصن الفزاري من رؤساء بني فزارة، إذ أنه أوقف جابي الزكاة في طريقه إلى المدينة وأخذ منه ما في يده على بني فزارة ورجع الجابي إلى