أما القبائل التي ثارت وتظاهرت بالعداء فهي: بنو أسد وغطفان والبعض من بطون طئ، فاجتمع بنو أسد في سميراء، وعلى رأسهم طليحة بن خويلد، واجتمعت فزارة في جنوبي طيبة، واجتمعت عبس وذبيان في الربذة والتف حولهم جماعة من كنانة، ولما كثر عددهم لم تحملهم البلاد لأن المياه شحيحة والمرعى قليل فتفرقوا إلى فرقتين، فأقامت فرقه بالأبرق بالقرب من الربذة والأخرى في ذي القصة، وأمد طليحة فرقة ذي القصة بقوة من بني الأسد. والداعي إلى تفرقهم هو أن الوقت كان صيفاً، لأن الرسول توفى في شهر ربيع الأول للسنة الحادية عشرة من الهجرة. وهذا التاريخ يوافق شهر حزيران سنة ٦٣٢ ميلادية. والمياه على ما نعلم تشح في الصيف، وكذلك المرعى تقل حينئذ. فبعثت غطفان وفداً إلى المدينة ليعرض على أبي بكر رغبتها في أن تقيم الصلاة وألا تأتي الزكاة، وكان عيينة بن حصن الفزاوي وأقرع بن حابس في الوفد.
فلم يلب أبو بكر طلبهم برغم إشارة بعض الصحابة عليه بالتساهل معهم إلى أن يعود جيش أسامة، إلا إنه في الوقت نفسه قدر خطورة الموقف لما عاد الوفد إلى أهله. وكان للوفد على ما يظهر مهمتان: عفو الزكاة، والإطلاع على قوة المسلمين في المدينة. وقد لاحظ أبو بكر ذلك، إذ لم يعد الوفد حتى جمع الصحابة وأطلعهم على حرج الموقف وكلفهم بحراسة المدينة ليلاً ونهاراً. فأقام رجالاً في الأبراج لمراقبة الطرق الممتدة إلى المدينة من جهة البادية ورتب قوة احتياطية في المسجد لتكون على استعداد للنجدة عند الحاجة، وحذر أهل المدينة بقوله (إنكم لا تدرون أليلاً تؤتون أم نهاراً وأدناهم منكم على بريد) يشير بذلك إلى قرب المسافة بين المدينة والقبائل المتحفزة للهجوم.
وقد يعجب الإنسان بصلابة أبي بكر في رفضه طلب الوفد بعد اطلاعه على أخبار عماله لدى القبائل وسماعه حديث عمرو بن العاص. وكانت جميعها تنبئ بارتداد العرب عامة أو خاصة ولا يوجد في المدينة سوى نفر قليل وجيش أسامة بعيد عنها.
ونظراً إلى ما ذكره الواقدي في كتاب الردة أن أبا بكر لم يكتف بالتدابير التي اتخذها في المدينة، بل طلب من القبائل العربية كأسلم وغفار ومزينة وأشجع وجهينة وكعب أن تمده بالرجال فأسرعت إلى نجدته. فأخذ الناس يتوافدون إلى المدينة بسلاحهم، وأرسلت جهينة