الغرب في العصور الحديثة إذ تعلم الشرقيون: معنى الوطن والوطنية وحب الجنس والقومية، ونقلوا بعض الأوضاع الاجتماعية والسياسية. وأخذوا أصول الصحافة التي كان لها أثر عظيم في إدخال الأفكار الجديدة وتبديلها من النظم القديمة. وتجلى أثر ذلك واضحاً في تنوير ذهان الشرقيين وثورتهم على الاستعمار في السنين الأخيرة وذلك لانتشار الآراء الثورية.
وكان احتكاك المصريين بالفرنسيين في القرن الثامن عشر أول احتكاك علمي مع الفرنجة. وممن كانوا في طليعة المستفيدين مؤرخ مصر في ذلك الحين الشيخ عبد الرحمن الجبرتي، وشيخ الأزهر حينئذ الشيخ حسن العطار؛ إذ علموا بعض علماء الحملة الفرنسية اللغة العربية وتعلموا منهم ما لم يكن لهم به عهد من العلوم المادية. وقد أبدع الجبرتى - في تاريخه - في التعبير عن شعور الشرقيين تجاه هذه العلوم، وقام فريق من علماء الحملة بدراسة مصر من كافة نواحيها. ويعتبر كتاب (وصف مصر) أوفى دراسة وأحسن مرجع للحياة المصرية في ذلك الحين. ولما تولى محمد علي الكبير حكم مصر أوحى إليه ذكاؤه أن الانعزال مبعث التأخر فأبقى على التعليم في الأزهر وأدخل التعليم الحديث وأرسل في استدعاء الأساتذة والأطباء، بيد أنه رغب في الاستغناء عن الأجانب والأخذ عن الغرب مباشرة فأوفد البعثات العلمية إلى إيطاليا ثم فرنسا وإنجلترا وألمانيا وغيرها. وقد نهج محمد علي خطة حميدة وهي الأخذ بمحاسن الغرب مع الإبقاء على تراث الشرق بل إحيائه. على أن احتكاك الشرق بالغرب قد جلب الكثير من المساوئ منها انتشار المسكرات وفتح أبواب الفجور والاستخفاف بأمور الدين.
خاتمة:
بعد دراسة احتكاك الحضارات وعرض أمثلة له، يمكن القول بوجه عام إنه ليس في مقدور أمة أن تعيش بمعزل عن سائر الأمم فلا بد من التأثير والتأثر. ومما هو جدير بالذكر أن للاحتكاك مساوئه ومحاسنه إلا أن الأمة الحريصة هي التي تستفيد من تجارب غيرها، وتعمل على أن تتخلص مما طرأ عليها من أضرار وشرور نتيجة احتكاك الحضارات.
وقد نتج عن ذلك - نتيجة ما اتصف به الإنسان من الهجرة والتقليد كما ذكرنا في بداية هذا البحث - أنه لم تعد هناك حدود فاصلة بين الأجناس البشرية، لذا قيل بحق: إن الجغرافيا