نظرة المشفق على ما فيه خير الأمة، المتألم لما أصاب البلاد من الكوارث والخطوب. وقد أطلق للسانه العنان فنطق في غير خوف ولا وجل، وانتقد في جرأة عجيبة. والأبيات جيدة المعاني والتراكيب.
وقال:
وكل من رام تدبيرا ولاح له ... جند الجرائد هالته طلائعه
هذا البيت مأخوذ من الواقع. وربما كان فيه إشارة إلى الصحف الأوربية التي أكثرت من مهاجمة الخديوي إسماعيل في أواخر أيامه. والمعنى جيد غير أنه كرر صورة واحدة في بيتين وهي صورة الجيوش في قوله (جندت جندها الأيام) وفي قوله (جند الحرائد) كما أنه كرر كلمة (جند) في بيتين متتاليين. وهذا غير جيد. وقال:
وما أجبتم سؤال المحدقين بكم ... كأنما القطر لا تغنى وقائعه
كم نزهتكم رباه في مراتعها ... فأصبحت وهي للراثي بلاقعه
أكرمتم الغرباء النازلين بكم ... لكن فلاحكم ضاقت مزراعه
هذه أبيات جميلة لأنها صادرة عن شعور فياض بالحزن على ما أصاب البلاد. وفيها موازنة بين الرخاه الذي كان في زمن سعيد وأوائل عهد إسماعيل وبين الضنك والبؤس الذي خيم على البلاد في أواخر حكم إسماعيل. وفيها إشارة إلى الضرائب الباهظة التي أثقل بها كاهل الفلاح فاضطرته إلى الاستدانه من المرابين أو إلى الفرار وترك الأرض قفرا لا زرع فيها ولا ضرع. وفي البيت الأخير بكاء شديد على ما أصاب الفلاح المسكين. وقد أجاد الشاعر في المقابلة بين الأجانب الذين تمتعوا بكل خيرات البلاد وبين الفلاحين الذين كانوا محرومين من ضروريات الحياة.
والأبيات الثلاثة جيده المعنى والأسلوب. وقد أسبغ عليها الحزن روعة وأكسبها جلالا. ومن قرأ البيت الأخير لا يسعه إلا أن ينحني إكبارا لأبى النصر الذي كان أول شاعر في العصر الحديث يعبر عن آلام الفلاح ويتعرض لذكر ما يعانيه من ضيق وفقر.
وكان أبو النصر كثير الاختلاط بالفلاحين فرأى من آلامهم ومتاعبهم ما ظهر أثره في هذه القصيدة فوقف فيها كما نرى موقف المدافع عن هؤلاء القوم، المفاضل عنهم، رافعا عقيرته بطلب الإصلاح. وقال: