ووصلت إلى كوخ مسقوف بالبوص تسكنه (أم عمروش) المرأة الورعة المتواضعة. أخبرتها بما حدث، ثم ناولتها فطيراً مندى باللبن الرائب، وتوسلت إليها أن تعود معي إلى الطفل المسكين، فسألت (كم أجري؟ وأين مسكنك؟) فقلت: أما المسكن فهو قريب من هنا، وأما النقود فأنا مفلس منها!! أرجو منك يا أم عمروس أن تنقذي ولدي، استحلفك بيوم الحصاد وهو قريب، أن تعودي معي، وهنا قد يأتي الفرح فأعطيك ما سوف أستدين!
وطالت المساومة، واعتدم الجدال، وهي لا تلين ولا تستجيب لرجائي. فهممت أن أرجع يائساً أمري لخالقي حلال المشكلات!
ولما ابتعدت عنها نادت بصوت مرتفع: انتظر يا عم مخلوف سأذهب معك، والله يفك كربتي كما أن أفك كربة الناس! وطرنا إلى البيت أنا فرحان مطمئن، وهي لاهثة تحث الخطى ورائي
- ٥ -
طفلي الحبيب يطعم بعد جوع، ويسمن بعد هزال!؟ لك الله يا طفلي، وقد نادت أيامك السبع بالأتراح. وأنت تخطو وتيداً على أبواب دنياك! وما ذنبك أيها الحبيب الغالي والدنيا شرور وآثام!؟ أمك وأبوك يعضهما الفقر ويعصرهما الحرمان.
أبوك يا (فرج الله) فلاح مسكين يروي الحقل بعرقه ويحصد الهشيم آخر السنة! صاحب الحقل يلح في طلب الأجر، ومالك الماشية يقصدنا مع الهلال العربي كأنهما على ميعاد!. والدائنون النهمون يزمجرون في غضب، ويتوعدون بحقد مرير وليس للفرار منهم من سبيل! كم يبقى له بعد ذلك إلا الحزن يضنيه. والأسى يعصره. . . وهموم العيش ترمي به في أحضان الحرمان!؟
ولكن (فرج الله) سيجعل ظلامي فجراً باسماً. . سوف يأتي الرغد يحث الخطى خلف صفحته المضيئة. . تكثر الآمواه في الترعة، ويزدهر الحقل، ونجى الثمر فيكون خيراً عظيماً.
. . . وأفقت يا سيدي العمدة على عتبة داري، والنحيب المحرق يطرق مسمعي بقسوة، وزوجتي (فطومة) تصرخ وتصيح: (ولدي! ولدي)! والنادبات من حولها يلطمن الخدود،