أشجانا لو اندلعت لاضطرمت الدنيا بجحيم يتلهب أوارها، ولكن الصبر. . . الصبر والإيمان، يا سيدي!)
وقال آخر (عزيز علينا أ، ننشر عليك من خبت الحياة ما يزعجك فيفقدك متعة كنت تتمناها هنا).
وقال ثالث (إن اليد التي تلوثها الجريمة مرة واحدة هي آثمة لا ترحض تستطيع مياه الأرض أن تغسل عنها الرجس، وإن القانون الذي يكبل بالحديد من يسرق كيزان الذرة ليرد بها سغب أولاده الجياع ليعجز عن أن يردع اللص. . . اللص الذي يتسربل بالغنى والجاه فيستلب من الفقير قوت يومه وهو أحوج ما يكون إليه!)
وتناثر الحديث حوالي يئن بالشكوى حيناً ويغلي بالثورة حيناً، فقلت (وي كأن في الحياة سراً قبيحاً بتواري خلف أستار الطبيعة الوضاحة وهي تتألق بالحسن والجمال!)
فقال قائل:(لو شئت لكشفت لك عن أسرار من الشجن، ولهتكت حجاباً عن خفي من الألم).
فقلت:(هاتة)
قال: أما قصتي فهي قصة الغلظة التي لا تعرف الرحمة، قصة القسوة التي لا تؤمن بالشفقة.
لقد غبرت زماناً أعيش في عزبة رجل من ذوي الثراء والجاه أقنع بالكفاف وأرضى بالشظف، أغدو إلى الحقل لأنزف قوة الشباب وفراهة الفتوة، وأروح إلى الدار لأسكن إلى عطف الزوجة وحنان الولد، لأجد إلا أجر يومي وإلا غلة قراريط تافهة أستر بها عورة الأهل، وأرد بها شماتة العدو. وأنا - إذ ذك - فتى في فوره النشاط وذروة الصحة، لا أنكص عن عمل ولا أنكل عن جهد. وتناهي خبري إلى صاحب العزبة فشملني بعطفه وغمرني بفضله فأحسست بالرخاء والخفض، ولمست الهدوء والراحة.
وغاظ رئيس العمال أن أفوز بحظوة رب هذا الأرض وأنا عامل حقير، في رأية؛ وخشي أن أستلبه مكانته أو أن أنتزعه من مركزه فأنطلق ينفت سمومه حولي ويدرس لي السم في الدسم، وأنا في لهو عن نوازع نفسه الشريرة، وفي غفلة عن دوافع روحه الوضيعة.
وذهبت جهود الرجل هباء حين أعجزه أن يسول لصاحب العزبة برأي، أو يوسوس له بأمر، فانطوى على هم يتنزى في صدره فيسلبه القرار والسكينة، وهيت روح الشر في