للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نفسه جياشة تدفعه إلى غاية، فراح يرهقني بالعمل ويضنني بالجهد ويتعهدني بالإهانة، وأنا أحمل النفس على الصبر وأكرهما على الصمت.

وضاقت حيلة الرجل فركب رأسه فدس لي رجلاً من العمال يتحرش بي - أثناء العمل - في قسوة، ويثير كوامن نفسي في سفاهة، فلما حاولت أن أرد الكيد نحسر صاحبه لم يرعني إلا كيف العامل الأجير تهوى في عنف على وجه رفيقه. . . وجهي أنا. . . فطار للطمة حلمي، وثارت كرامتي، اندفعت صوبه أذيقه وبال جهله وغفلته. واستصرخ الرجل رفاقي فجاءوا يحمون الظالم من المظلوم، وأقبل رئيس العمل يتهدد ويتوعد، فأغلقت سمعي من دون كلامه ثم تركت العمل - توا - إلى حيث صاحب العزبة، رب هذه الأرض، وسيد هؤلاء الناس.

ووقفت بين يدي صاحب العزبة أقص قصة المعركة التي اجتاحت العمل والعمال هناك، في الغيط. ونفضن صاحب الأرض بنظرة قاسية ثم قال: (أحقاً ما تقول؟)

قلت (إي وربي)

ثم تزامر الناس في صحن الدار، وجاء العمال - رفاقي - يزورون حديثاً يبتغون به مرضاة الرئيس، ووقفت مرتبكاً أنظر حوالي في ذهول، أفتش عن الحقيقة وهي تتوارى خلف سجف من الزور والبهتان، فما وجدت في هذا الجمع رجل صدق وإيمان، وأسقط في يدي فملكت عن الحديث واستسلمت.

فقال في ثورة (إذن حكمنا عليك بكذا وكذا من الجنيهات تدفع بعضها عاجلا والباقي آجلا، وموعدنا محصول القمح).

فقلت في توسل (وأنى لي - يا سيدي - بهذا المبلغ الكبير وأنا رجل فقير؟) فقال في كبر: (لست أقبل مراوغة ولا مماطلة ولا دفاعاً) قلت (ولمن يكون هذا المبلغ الجسيم؟) قال (ومالك أنت ولهذا؟ ألا تعلم؟ إنه لصاحب الأرض التي امتهنت كرامتها واستجدت حرمتها وعبثت بحماها، لصاحب العمل الذي ضيعته وبذرت فيه الفوضى، لي. . .) وعجبت لحديث هذا الثرى الشره فأردت أن أقذف في وجهه كلمة عنيفة جاسية، فقلت (أو ترضي - يا سيدي - أن تنتزع مني قوت عيالي ومساك روحي غضباً؟) فقال في ترفع (هذا كلام رجل خلو من الأدب خلو من الحياء، أخرج فأنت مطرود منذ الساعة).

<<  <  ج:
ص:  >  >>