فلنحاول الوقوف على شتى أنظار الإنسان إلى العقل، ومدى ما وصلت إليه الدوائر الفكرية من تحديد نطاقه. . سواء في ذلك الفلاسفة والمناطقة، ورجال الدين والمتصوفة. والأخلاقيون ورجال الاجتماع والسياسة، وعلماء النفس والحياة، وأصحاب الرياضة والطبيعة وأهل الفن.
أما الفلاسفة فقد تنالوا أعمال العقل، وتأملوا الإحساس كأول مظهر لهذه الأعمال يقول هرقليطس:(الحمار يفضل العلف على الذهب. والكلب ينبح كل ما لا يعرفه) فما سبب هذا؟ السبب هو أن الحواس شهود غير عدول حينما تعمل في النفوس غير العاقلة، فلا يستطيع الحيوان أن يميز بين المحسوس والمعقول لأنه ليس مزوداً بما به يستطيع ذلك.
والإنسان - في بدء حياته - لم يكن يستطيع هذا التمييز، لأنه امتزج بالحياة امتزاجاً كلياً انتهى به إلى التوحيد بين الموجود والفكر توحيداً ناماً. فهو صورة للحياة، والحياة صورة له. أو كما يقول (فردريك رتزل الإنسان روح في الطبيعية، والطبيعة روح في الإنسان:
وأنبا ذو فليس يفسر الإحساس بأنه تقابل الأشباه، وإدراك الشبيه للشبيه. ويقول إن مركز الفكر هو القلب، قد سبقه ألفميون زعيم مدرسة أقروطونا الطبية في سقلية بأن المخ مركز الفكر.
وعلى العموم فإن أنبادوقليس وديمقريطس وأنكاغوراس كانت عندهم المعرفة العقلية هي الحسية، وهم إن ميزوا بين العقل والحس فإنما كان هذا من حيث محتويات كل منهما إذ كلاهما وظيفة عضوية
وكانت تلك أول خطوة نقدية خطاها اللاهوتيون والطبيعيون القدامى نحو المعرفة العقلية أعقبتها موجة السفسطائيين الذين أدوا للعقل أكبر خدمة كان سقراط أول وارث لها.
اتجه سقراط نحو العقل في ذاته بقصد الكشف عن شرائط المعرفة الحقيقية: دعا إلى أن يعرف الإنسان نفسه بنفسه، بأن يكتشف من معرفته بنفسه جهله بها، ذلك الجهل الحافز على الفكر والذي ينتهي إلى العلم بخصائص العقل الرئيسية التي هي التعريف والاستقرار. ولما كان الحق هو الخير وكلاهما في العقل أو هما العقل فإن العلم فضيلة، والجهل رذيلة.
وتبنى أفلاطون نظرية أستاذه في فطرية المعرفة، وقال بوجود معرفة لأهل الكهف كانت