نعم، ومن أنت أولا؟ قال: لا تسألني من أنا ولا أخيرك؛ غير أني رجل بيني وبين هؤلاء القوم ما يكون بين بني العم - فإن رأيت أن تأتيهم فإنك نجد القوم في مجلسهم تنشدهم بكرة إدماء تجر خفيها غفلا من السمة، فإن ذكروا لك شيئاً فذاك، وإلا استأذنتهم في البيوت وقلت: إن المرأة والصبي قد يريان مالا يرى الرجال، فتنشدهم ولا تدع أحداً تصبيه عينك ولا بيتاً من بيوتهم إلا نشدتها فيه، فأتيت القوم فإذا هم على جزور يقتسمونها، فسلمت وانتسبت لهم ونشدتهم ضاني. فلم يذكروا لي شيئاً، فأستاذ نتهم في البيوت وقلت: إن الصبي والمرأة يريان مالا ترى الرجال، فأذنوا، فأتيت أقصاها بيتاً ثم استقر فيها بيتاً بيتاً أنشدهم فلا يذكرون شيئاً، حتى إذا انتصف النهار وآذاني حر الشمس وعطشت وفرغت من البيوت وذهبت لأنصرف، حانت مني التفاقة فإذا بثلاثة أبيات، فقلت: ما عند هؤلاء إلا ما عند غيرهم، ثم قلت لنفسي: سوءة! وثق بي رجل وزعم أن حاجته تعدل مالي ثم آنية وأقول: عجزت عن ثلاثة أبيات! فانصرفت عامداً إلى أعظمها بيتاً، فإذا هو قد أرخى مؤخره ومقدمة، فسلمت فرد علي السلام، وذكرت ضالتي، فقالت جارية منهم: يا عبد الله. قد أصبت ضالتك، وما أظنك إلا قد اشتد عليك الحر واشتهيت الشراب. قلت أجل؛ قالت: أدخل، فدخلت فأتتني بصحفة فيها تمر من تمر هجر، وقدح فيه لبن، والصحفة مصرية مفضضة والقدح مفضض لم أر إناء قط أحسن منه؛ فقالت: دونك؛ فتجمعت وشربت من اللبن حتى رويت، ثم قلت يا أمة الله، والله ما أتيت اليوم
أكرم منك ولا أحق بالفضل ... فهل ذكرت ما ضالتي شيئاً؟ فقالت: هل ترى هذه الشجرة
فوق الشرف؟ قلت نعم، قالت فإن الشمس غربت أمس وهي تطيف حولها ثم حال الليل بيني؛ وبينها؛ فقمت وجزيتها الخير وقلت: والله لقد تغديت ورويت! فخرجت حتى أتيت الشجرة فأطفت بها، فو الله ما رأيت من أثر. فأتيت صاحبي فإذا هو متشح في الأيل بكسائه ورافع عفيرته يغني، قلت: السلام عليك؛ قال: وعليك السلام ما وراءك؟ قلت؛ ما ورائي من شئ. قال: لا عليك! فأخبرني بما فعلت، فاقتصصت علية القصة حتى انتهيت إلى ذكر المرأة وأخبرته بالذي صنعت؛ فقال: قد أصبت طلبتك؛ فعجبت من قوله وأنا لم أجد شيئاً. ثم سألني عن صفة الإناءين: الصحفة والقدح، فوصفتهما له فتنفس الصعداء وقال: قد أصبت طلبتك ويحك! ثم ذكرت له الشجرة وإنها رأتها تطيف بها، فقال: حسبك!