فأنت ترى أن سيبويه يضع مثالاً ويأتي بالشاهد عليه من الشعر والشعر محل الضرائر يجوز فيه ما لا يجوز في الكلام ولا اضطرار في بيت شوقي، إذ يستطيع أن يقول: إن رأتني تصدعني. فلا شاهد في كلام سيبويه على رفع الجواب
(٣) إن أداة الشرط تجزم فعلين، فإذا كان الجواب مرفوعاً قيل في إعرابه أنه فعل مضارع مرفوع في محل جزم، فإذا لم تكن ثم ضرورة من الوزن فما الذي يمنع الجزم أن يظهر على الجواب في كلام هو من لغة النهار والليل، وما علة تقدير الجزم ولماذا يقدر في مثل: إن زرتني أكرمك وأنت تستطيع أن تقول أكرمك؟
(٤) من أجل هذه العلة يقول سيبويه ومن تبعه إن (أكرمك) في مثل هذه الصورة ليست هي الجواب بل الكلام على نية التقديم أي الأصل (أكرمك إن زرتني) فالجواب محذوف. وفي هذا الرأي (وهو أقوى الآراء وأسدها) لا يقال أن جواب الشرط مرفوع. ثم إن فرقاً في البلاغة بين قولك أكرمك إن زرتني وقولك إن زرتني أكرمك فلماذا يقلب سيبويه إحدى العبارتين إلى الأخرى على حين قائلها لم يرد إلا وجها بعينه. وما هي ضرورة التقديم ما دام الكلام على السعة؟
ومن أجل هذه العلة أيضاً يقول الكوفيون والبرد من البصريين أن (أكرمك) ليست هي الجواب والكلمة على تقدير الفاء؛ فالأصل إن زرتني فأكرمك؛ وبهذا يكون الجواب جملة اسمية. ولكن ما هي ضرورة حذف الفاء وتقديرها في وقت معاً والكلام ليس موزوناً يختل معه الوزن إن ذكرت الفاء، وقائلها لو أرادها لذكرها لأن الجملة من الكلام المبتذل الذي لا يراد منه شاهد في البلاغة؟ وهم قاسوا ذلك على مثل قوله تعالى: ومن كفر فأمتعه قليلاً. ومن عاد فينتقم الله منه. ومن يؤمن بربه فلا يخاف بخساً ولا رهقاً. ولكنهم غفلوا عن سر هذه الفاء فقاسوا عليها ذلك أمثال المبتذل
(٦) ويقول بعض من ذهبوا إلى أن سبب رفع الجواب تقدير الفاء إن هذه الفاء تقوم في إفادة الربط مقام الجواب. . . فيصح رفعه وترك جزمه استغناء عنه بالفاء. . . وهذا كما ترى من الخلط
(٧) قال قوم من النحاة أن الكلام ليس على نية التقديم، ولا على تقدير الفاء ولكن لما لم يظهر لأداة الشرط تأثير في فعل الشرط لكونه ماضياً ضعف عن العمل في الجواب. وهذا