٣ - والداخل في العقيدة الدينية يرى نفسه صورة مصغرة من النبي له كل حقوقه وعليه كل واجباته، غير دعوى النبوة، وخليفة الله في أرضه بين عباده ينطق لهم بلسانه ويبلغهم رسالاته وفي ذلك ما فيه من عزاء لنفسه مهما تكن مواهبه تافهة، وإرضاء لكبريائه، وإشباع لغروره ورضاه عن نفسه، فهو يشعر بأنه ند فيها وفي امتيازاتها والتعصب لها والغيرة عليها، والدعوة إليها لأعظم المنتسبين إليها حتى النبي، وله بعد ذلك مكافأتها في الدنيا، وثوابها في الأخرى، وليس ثواب أعظم من الثواب الموعود به في العقائد الدينية ولا سيما الثواب الأخروى.
٤ - وإذا كان صاحب العقيدة بعامة لا يشعر ولا يفكر ولا يعمل في معزل عن الجماعة، ولو كان خالياً بنفسه، وفي ذلك ما فيه مما وضحناه قبل، فصاحب العقيدة الدينية بخاصة إنما يشعر ويفكر ويعمل وهو على أوثق الصلات بالجماعة وبالكون كله وبما وراء الكون أيضاً، فالداخل في العقيدة الدينية يشعر ويفكر ويعمل وهو مستند إلى الله، مراقب له، مطمئن إليه، منفذ لأمره، مهتد بهديه، مستغرق في حبه، فإن فيه. هذا إلى صلاته القوية بالمجتمع الذي يظهر فيه، ونظرته إليه نظرة شاملة، وإحساسه به إحساساً عاماً. والعقيدة الدينية تربط الجماعة أقوى مما تربطها عقيدة أخرى، وتشعر الإنسان بروابط أقوى وأكثر مما تشعره عقيدة أخرى، ومن ثم كان صاحب العقيدة الدينية أشد شجاعة واطمئنانا وأعظم استعداداً للبذل والمفاداة، وأصبر على احتمال المشقات، وأدق فهما لغايته منهجه من كل من عداه ولو كان من المعتنقين لعقيدة أخرى وطنية أو عنصرية أو سياسية ونحوها. فهو لا يحس بالوحشة ولا القلق ولا الضعف ولو تبرأ منه جسمه الذي يلبسه، أو قدم روحه فداء لعقيدته، فهو يستشهد وعلى فمه ابتسامة النصر، وفي قلبه فرحته.
٥ - والنبي في وعيه البديهي للنفس الإنسانية خوافيها وظواهرها، وتقديره لكل شيء فيها قدره يبدو كأنه روح سرمدي وعي إبداع لله إياها، وتقديره أقدارها، ووعي إبداع الله الحياة كلها، وتقديره لكل شيء فيها قدره، فلا تخفى عليه خافية من جانب ولا وظيفة لجزء في النفس ولا الحياة، فلا جهل بشيء، ولا جهل بطاقته ولا بوسائل استثارته، ولا خطأ في تقدير حي ولا في التشريع له، ولا تضارب بين التنديرات والتشريعات المختلفة أشد الاختلاف. فالنبي - يشرع للنساء والأطفال وهو رجل، وللمستعبدين وهو حر، وللضعفاء