وهو قوي، وللقاصرين وهو رشيد، ولكل الطوائف والمراتب الذين ليسوا من طائفته ولا مرتبته كأحسن ما يمكن أن يشرع هؤلاء المختلفون عنه لأنفسهم لو وكل إليهم التشريع لأنفسهم والتزموا ما يلتزم من الحزم والعزم والعدل والضبط والتوفيق بين وجهات النظر المختلفة لشتى الطوائف في شتى الدرجات. فهو إنسان كامل له أن يحس بكل ما يحس به كل إنسان وأن يفكر فيما يفكر فيه كل إنسان مهما اختلف عنه في خلقه وتفكيره وشعوره وطاقته على اختلاف الأزمنة والأمكنة.
٦ - والنبي - في شخصيته القوية الشاملة وسيرته العالية وأقواله النابغة يبدو كأنه روح جبار تجسد ليطبع الناس على صورته طبعاً لا فكاك لهم منه، ويظل ماثلاً للناس حتى بعد موته كأنه خالد لا يموت، وكأن كل إنسان من أتباعه صورة مصغرة ناقصة له فيما يأخذ به نفسه في شخصيته وسيرته وأقواله وهو يحتذى نبيه سواء أكان بين الناسأم خالياً بنفسه، وكأنما النبي رقيب عليه ملازم له يحصي كل أعماله وأقواله ونياته.
وكأنما النبي فيما يكشف للناس بشخصيته وسيرته يكشف لهم من ناحيتين متقابلتين أوسع وأسمى ما يمكن أن تمتد إليه الإنسانية حتى تتصل بالسماء، وأضيق وأدنى ما يمكن أن تنكمش إليه حتى تتصل بالأرض، وفيه تنكشف لهم الصلة كلها من أقصى طرفها بين السماء والأرض، أو بين الله والإنسان وأمثاله من الأحياء. وبانكشاف هذين الجانبين ينداح الأمل من جانب أمام أصاغر الناس حتى لا يفقدوا ثقتهم بأنفسهم ولا ييأسوا من روح الله، كما يتقاصر الغرور والكبرياء من جانب أمام أعاظم الناس حتى لا تبلغ بهم الثقة بأنفسهم حد التأله وعدوان الحدود البشرية، والاستعلاء على غيرهم من البشر فيخسروا بذلك أنفسهم ويخسرهم المجتمع. فالنبي يحمي كل صغير من السقوط إلى حيث يتحطم، ويحمي كل عظيم من التحليق إلى حيث يضيع ويتبدد، كما تحفظ جاذبية كل كوكب ما عليه من أجسام.
٧ - والامتياز مثار الحسد والحقد، ولا سيما الامتياز الذي يكون مرجعه اختلاف عنصر الممتاز عن غيره، فهو امتياز لا أمل فيه مثله مهما أسرف طالبه في الجد والمثابرة، لأن الامتياز لاختلاف العنصر موجب للغربة والبعد بين الممتاز وغيره فيما لا حيلة لهما فيه من الطبائع والأمزجة والمشاعر وغيرها مما لا يقبل التغيير.
وإذا كان امتياز الأنبياء من هذا القبيل الذي يستلزم بطبيعته إثارة أشد الحسد والحقد إلا أن