للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وقصور، وحرصه المخلص على منفعتهم - إنما ينظر إليهم نظر الأب الكريم إلى أطفاله القاصرين لا إلى انداده الراشدين، ويعاملهم كما يعامل الأب أطفاله لا أنداده، فيتواضع لهم، ويرحمهم في ضعفهم وغرورهم ويتصاغر لهم وهو يشرف عليهم من عل دون أن يشعرهم إلا بأنه طفل مثلهم أو دونهم، ويفسح لهم إلى جانبه أوسع ما يمكن أن يفسح تشجيعاً لمواهبهم على الحرية والعمل، بينما هو يأخذ نفسه - إذا ضيق عليهم أو شدد - بأضيق وأشد مما يأخذهم به، بل هو يضيق على نفسه ويوسع عليهم، ويحمل نفسه عبئه وعبئهم، ويكون لهم ملجأ وسكناً في كل محنة، فيرون أنفسهم أكثر منه مغانم واقل مغارم، وأنعم حالاً وأهدأبالا مهما غلوا وأسرفوا على أنفسهم في التحنث والتعفف وفي ذلك ما يلطف نيران الحقد ويسكت شياطين الحسد والموجدة عليه فيما يمتاز به عليهم مهما يبلغ امتيازه من السمو والجلال.

وأقرب العباقرة إلى الأنبياء أشبههم به في هذه المزايا العالية التي تستغرق الإنسانية والحياة وتتطلع إلى ما وراء العالم المشهود طبيعة وعملاً.

ولا شئيفجر في النفس الإيمان الكامل الخالص إلا العبقرية لا سيما الدينية، ولا أحد يغدق عليه هذا الإيمان إلا العباقرة ولا سيما الدينيين.

الإنسانية بعباقرتها عالم سماوي جميل شريف خير حقيق بالحب والتقديس.

والإنسانية بغير عباقرتها عالم طيني كريه حقير لا يستحق إلا المقت والاحتقار.

ومزاولتنا الحياة في رعاية العبقرية لعب طليق تتفتح له الرغبات وتنشط به القوى، فيشتهى ويستزاد.

ومزاولتنا الحياة في غير رعايتها كدح ذليل في الأغلال يميت الرغبات، ويشل القوى، فيعاف ويستعجل الخلاص بالموت منه قبل الأوان.

محمد خليفة التونسي

<<  <  ج:
ص:  >  >>