وماذا يعمل، يجعل من نفسه مادة يصورها ذلك الآخر كما يريد، ويجعل نفسه في رتبة البهيمة يصرفها الحدث من الغلمان على ما يشاء ويهوى. إنه بذلك يلغي ما وهبه الله له من عقل يستطيع به، إن أراد، أن يجعل له حياة خاصة وفكراً مستقلاً به ولكنه رضى لنفسه أن يفكر له الآخرون، وأن يخط له هؤلاء الآخرون مجرى حياته التي تضطرب فيه. إن هؤلاء الذين يتبعون دائماً الأغيار، يجعلون من أجسامهم مقابر لنفوسهم التي أماتتها التربية السيئة والتقليد المقيت، بدل أن تكون هياكل لنفوس إنسانية لها حريتها واستقلالها. والجناية في هذه واضحة، وإنها جناية على الفرد والجماعة والدين نفسه.
ذلك، بأننا نجمع على أن الإسلام دين كل زمان ومكان، دين صالح لكل عصر وبيئة. ومع هذا فقد منعنا إتباع الماضين، والجمود على ما كتبوا عن الإسلام لعصور غير هذا العصر الذي نعيش فيه، من أن نحاول عرض الإسلام كما يجب: عقيدة وتشريعاً وأخلاقاً واجتماعاً واقتصاداً وأقول: (واقتصاداً) عامداً، لأن الإسلام، وهو تشريع عام شامل، ما كان يستطيع أن يهمل هذه الناحية الخطيرة التي تعتبر بحق مشكلة أمس واليوم والغد في العالم كله.
إن علينا أن نكتب كتباً جديدة نعرض فيها الإسلام من تلك النواحي، ونبين فيها كيف يجب أن نعمل لتحقيق العدالة الاجتماعية؛ فإنه لا تزول هذه الفوضى، ولا تتقي الشيوعية إلا بالقضاء على سبيلها الوحيد وهو الظلم الاجتماعي. تلك سنة الله في خلقه، ولن تجد لسنة الله تبديلا.
بذلك، وبذلك وحده، نكون قد أديناً واجباً كبيراً للأمة للإنسانية كلها، وبذلك نكون صالحين للتعاون مع ممثلي المسيحية في تكوين جبهة لمحاربة الاتحاد والمبادئ الهدامة. أما بالعكوف على القديم باعتباره وحده الحق، وبالتقليد في كل شئ حتى في التفكير ومناهج الدرس، فإننا لن نستطيع أن نصل إلى خير، ونكون جناة على أمتنا وأبنائنا، وتلك جناية يثقل علينا حملها ووزرها. نعم، إنها جناية نكراء أن نجمد على ما ورثناه من تراث، فلا نتناوله بالتوسعة والتعديل بما يناسب حاجات هذا العصر الذي نعيش فيه. وهل فعل أئمة التشريع من المسلمين، الواحد بعد الآخر، غير هذا؟ إن هؤلاء الأئمة رضوان الله عليهم لو كانوا متبعين جامدين على ما ورثوا مقلدين لمن سبقهم، لما كان لناالآن إلا مذهب واحد في التشريع، بينما صار لنا من ذلك بفضل استقلالهم واجتهادهم في الرأي مذاهب عديدة،