وفي الكتاب لفتات ذهنية بارعة، ومفاتيح لغرف نفسية لشعوب انطوت على أنفسها - على حد تعبير الأستاذ الفنان المعداوي -، ونتائج يكاد ينفرد بالوصول إليها، ومشاهد من صور يعبد التاريخ نفسه فيها.
وقلائل جداً، هم الذين نصدوا لكتابة التاريخ وخلق بهم الفكر النير على أجنحة الفهم العميق والإدراك المتزن إلى الآفاق التي توحد فيها حقائق الأرواح الخالدة، وقلائل جداً هم الذين لم تفح من آثارهم روائح القبور، ولم تبد وراء كلماتهم جثت الموتى وعظام الغابرين.
وثقافة الأستاذ المخزومي العلمية، وإطلاعه العميق على مصادر التاريخ في أكثر من أربع لغات أجنبية يتقنها، إلى جانب ما يتحلى به من ذوق مترف، وحسن ملهم في الأدب والفن، كل ذلك يطل عليك من وراء كلمات الكتاب النابضة بالحياة، فيخيل إليك أنك لا تقرأ كتاباً، وإنما تسمع حديثاً مبسطاً عن المشاكل المعقدة في العلم والفن، في سخرية لاذعة واتزان عميق.
تبتدئ المسرحية الصهيونية التي ذهب ضحية فصلها الأول مليون ونصف من العرب الآمنين، التي سيذهب اليهود مجتمعين في فلسطين ضحية الفصل الثاني منها حينما ترخى يد الزمن أطراف الستار، في مكانين متباعدين في الشرق والغرب.
وقف على طرف المسرح الغربي في بريطانيا لويد جورج وزملاؤه، يعاونهم بلفور وشركاؤه على الإيقاع باليهود عن طريق وعد بلفور الغاشم؛ ووقف على طرف المسرح الشرقي مكماهون ولورنس يحاولان الإيقاع بالشريف حسين عن طريق استقلال العرب. . .
وفي الوقت الذي كان فيه مكماهونيقطع الوعود المعسولة للشريف حسين، كان جورج بيكو الفرنسي، ومارك سايكس الإنجليزي قد أتما تقسيم البلاد العربية إلى مناطق نفوذ بينهما، ولم يتركا للعرب غير الصحراء - الصحراء فقط - لأنهم خرجوا منها وإليها يرجعون. . .
ويقول المؤرخ الإنجليزي هـ. ر. تامبرلي:(كانت ثقة العرب في بريطانيا العظمى من القوة بحيث لم يفلح إفشاء بعض البنود من المعاهدات السرية في إفساد العلاقات الحسنة بين الطرفين. . .)