للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الذي أختاره وأرتاح إليه لتستقر الآية في نفسي. فأقول إنني حينما أقف أمام المقام وأرتل الآية الكريمة، أؤدي واجب المودة لقربى هذا النبي العربي الكريم، معجزة الأجيال السابقة واللاحقة والقادمة، الذي بفضله ذقت حلاوة الإيمان وبهديه اهتديت وعلى سنته سلكت، فأصبحت في زمرة أتباعه، وأتباع آله وأنصاره وأصحابه أولئك جميعاً الذي اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

هانحن أولاء في أوائل القرن الثالث الهجري وقد ختمت المائة الثانية، فإذا في سماء مصر العربية ذات الفتوح، يلوح اسمان كنجمين لامعين يشقان أضواء الهداية على هذهالأرض الطيبة، هما السيدة نفيسة رضي الله عنها والإمام الشافعي رحمه الله. عاشا في مدينة القسطاط العربية، وحضر الإمام مجلس السيدة العظيمة القدر من وراء ستار، فتناولا بالبحث والمدارسة والمناقشة أمور الدين والدنيا.

وكان الشافعي يؤم صفوف الناس في الصلاة بالمسجد العتيق، وكانت تأتي هي في شهر رمضان فتحضر صلاته، وتقف وراء الصفوف تصلي وراء الإمام الذي أصبح مفخرة مصر ومعجزة من معجزات الإسلام في القرن الثاني الهجري بعلمه وفقهه وبيانه.

ومرت الأيام وجاءت سنة ٢٠٠ هجرية فمات الشافعي، بعد أن ترك في العالم دويا وأضاء في أرض الكنانة شعلة، تسلمها تلاميذه من بعده ثم أتباعه فتلاميذه أتباعه وحملوها إلى يومنا هذا، تشع منها أنوار الهداية لمذهب باق على الأرض، ما بقيت الأرض؛ فهم إذن سدنة وحفظة ركن من أركان هذا التراث الخالد من مصر العربية الإسلامية حتى يرث الله الأرضومن عليها.

انتقل الشافعي لجوار ربه فحزنت مصر بأسرها عليه وسارت جنازته من المسجد العتيق، مسجد سيدنا عمرو بن العاص، فمرت بالمنزل الذي كانت تقيم به السيدة نفيسة، فصلت عليه ثم سارت جنازته إلى المكان الذي دفن فيه، وقالت رضى الله عنها كلمتها المعروفة (رحمة الله! إنه كان يحسن الوضوء).

ومن مظاهر القرن العشرين وعبقرية رجاله، أن تشغل السيدة نفيسة أهل مصر أكثر من أحد عشر قرناً من الزمن، بكرامتها ومنزلتها وعلمها وسؤددها فيكتب الناس عنها الكتب ويزور مشهدها الملوك والسلاطين والأمراء والقواد والعلماء، ومن كانت تهتز الدنيا

<<  <  ج:
ص:  >  >>