المستكفي بالله أبو الربيع سليمان وولداه وابن عمه والكركي ناظر المشهد النفيسي والأمير سيف الدين كراوش شاد العمائر السلطانية وهما اللذان توليا عمارة هذا المسجد وأشرفا على بناء أروقته والفسقية المستجدة - رحم الله الناصر ورجاله وعصره.
إذن فاعلم أن هذه البقعة الخالدة الطاهرة قدسية النفحات بل هي بين الأماكن المباركة من هذه العاصمة الإسلامية الكبرى، والمصر الأكبر قاهرة المعز لدين الله الفاطمي وماذا أقول عنها، وقد كان أول ما وعيت في حياتي، إنني حملت يوماً إلى مقام السيدة نفيسة فكانت هذه الزيارة أول شيء وعيته، وأول ما علق بذاكرتي من أمور الدنيا في أيام الطفولة التي تبدأ بالخروج من المهد، حينما كنت لا أفرق بين اللون واللون ولا أعرف مظاهر الأشياء، فكان أن بدأت الذاكرة تحفظ ما أنطبع عليها، فإذا زيارة هذه البقعة الطاهرة والعودة منها إلى المنزل الذي كنا نقيم فيه هي أول ما وعيت في الدنيا.
ولذلك نشأت وبين هذه البقعة الخالدة ونفسي صلة روحية لا تنقطع ما دمت حياً، فقد قطعت العالم شرقاً ومغرباً واتخذت مقامي ببلاد الغرب أكثر من ربع قرن، وتعرفت إلى مذاهب الملاحدة والفلاسفة وعشت بين أنصار الفلسفة المادية وأتباع المذهب الشيوعي - ولكنني إذا جئت مصر زائراً ولو لمدة أسبوع واحد أركب خصيصاً لهذا المقام وأزوره خاشعاً لأحيي صاحبته وأقرأ الفاتحة لها، وأتقرب إلى الرسول بتقربي إليها، وأتوجه إلى الله تعالى أحمده وأشكره أن منحني الصحة والعافية والتوفيق وأعادني إلى مسقط رأسي لأقف هذا الموقف.
ولما أقمت بعاصمة الديار المصرية، وبعد استقراري بها جعلت من واجبي التيمن بالزيارة كل شهر مرة وأحياناً أراني مدفوعاً بقوة لا تغالب تدعوني إلى زيارة هذه البقعة الطاهرة وأن أتوجه فيها بالدعاء ليقيني بأن الدعاء فيها مستجاب وأن المنازل لله جميعاً ولكن هذه البقعة من المنازل التي أراد الله تكريمها.
وقد تطول بي الغربة بالشرق والغرب فأناجي بلادي وتتمثل لي مصر بأجمل مظاهرها وأهل مصر وشعبها وتاريخها في هذا المشهد النفيسي وهذه البقعة المباركة! وأود لو أتيت طائراً إليها فأحيي الزائرين والواقفين، وكل سائل ومحروم وكل ملح في السؤال ممن تقابلهم على بابها. إنهم جميعاً قطعة من هذه البقعة الطاهرة، وهذه البقعة قطعة من صميم