أما (الخميسي) فله شأن آخر: فهو حين بدأ حياته الفنية كان يصوغ تجاربه النفسية قصائد شعرية، ولم يتزحزح عن موقفه في كل ما كتب حتى إننا نستطيع أن نقول دون تحرز أن قصصه ذات طابع شعري، وأن القصاص فيه امتداد للشاعر القديم مع تغير الشكل الفني - هذا الشكل الذي أمده به الأدب الأوربي الحديث والذي يبدو وعي المؤلف به واضحاً حتى أنه حين يؤرخ المجموعة في مقدمة الكاتب يروي هذا التاريخ بشكل قصصي بديع، بل أنه في أكثر قصصه يمهد لجو القصة بخلق راو لها يكسبها طابع الحكاية الفنية. ثم لا يقف عند هذا بل أنه يبدأ القصة من قمتها حتى يثير شوق القارئ إلى متابعته في روايتها، ويظل في إثاراته للقارئ، بأن يملأ القصة بالمواقف والعقد حتى ليقطع بالقارئ شوطاً طويلاً تنبهر فيه أنفاسه - أن لم تتقطع. ولكنه رغم ذلك يظل محتفظاً بالقارئ إلى آخر الرواية دون أن يدعه يفلت من يده حتى يشهد له بأنه كامل السيطرة على طريقة أدائه للقصة. وهو إذ يصنع كل هذا لا يصطنع الرواية كالكتاب الذين يفتعلون جو القصة حين يسيرون حسب قواعد البناء القصصي المحبوك، بل لأن القصة تعيش في نفسه وتمسك به دون هوادة إلى حد يدفعه إلى أن يظهر نفسه بأن يكتبها يرويها لغيره. ولهذا تراه يبدأ الكثير من قصصه من النهاية حتى يعيش القارئ التجربة معايشته الزمنية لها في اللحظة الصادقة التي يكتبها فيها. ولا نريد أن نقول إن هذا أسلوب العصر الذي نعيش فيه ونستشهد بالقصة السينمائية - آخر أشكال القصة الفنية، ولكنا نقول أن هذه هي الرواية وهذا هو فن الراوي الصحيح.
ويحق لنا وقد أبدينا إعجابنا ببدايات قصصه أن نتناول بالتحليل طريقة إنهائه لها. وهنا نجده يجعل تلك النهايات في بعض القصص نهايات حاسمة ليس فيها فرجة يستطيع القارئ أن ينفذ خلالها. وهذه طريقة يخرج عليها في بعض القصص الأخرى ولا يسعنا إلا أن نشير عليه بضرورة استمراره في الطريقة السليمة التي تجعل القصة مفتوحة أمام القارئ بما تحمله من عناصر الرمز والإيحاء.
وتخلص من الشكل الفني للقصص إلى الجانب الموضوعي فيها فنجد أنه يخشى أن يفوت القارئ ما ترمي إليه القصة من فكرة، ولذا نجد عنصر الفكر واضحاً في قصصه حتى إنه