وهنا يمكننا أن نقول بكل ثقة إن الإنسان قد اكتسب هذا الاعتدال في القامة والمشي قبل نهاية عصر
البليوسين وإننا إذا أردنا البحث عن حاله قبل ذلك فإنه يجب علينا حينئذ أن نتوغل في عصر جيولوجي أقدم من ذلك بكثير ولكن قبل أن نتقدم بذلك يحسن بنا أن نذكرك بالحقيقة الهامة وهي إن الإنسان قد اكتسب قوامه المعتدل قبل اكتسابه قوامه الفكرية كإنسان، وإنه قد ظل مطبوعاً بطابع القردة في شكل الفك والجمجمة حتى نهاية عصر البليوسين، وبدء عصر البلستوسين.
وبواسطة تلك الآثار والمخلفات التي وجدناها في المقابر والكهوف ومدرجات الأنهار، أمكننا أن نتتبع تاريخ الإنسان إلى عصور سحيقة من عصور التاريخ متناهية في القدم. وعندما أردنا البحث في ذلك بدأنا البحث في بقايا العصور الحديثة، ومنها تعمقنا إلى ما هو أقدم منها، وطريقنا في ذلك سهلة للغاية، فإننا نبدأ بالعلومكي نصل إلى المجهول، وبالظاهر حتى نكشف عن الخفي، ولذلك فإنه بفضل تلك الأدوات والمخلفات الصخرية القديمة قد أمكننا أن نتتبع تاريخ الإنسان في عصر البلستوسين، ومنه تدرجنا إلى البليوسين.
جولة في عصر ذوات الثدي (العصر الثالث)
لذلك سوف نتعمق في أبحاثنا نحو عصر من العصور القديمة جداً، هو العصر الثالث أو الـ ولكن قبل أن نخوض في غمار ذلك البحث نجد لزاماً علينا نحو القارئ الكريم أن نعطيه فكرة عن ذلك العصر الذي ذكرناه.
لازلنا نذكر أننا قد أعطينا في مقال سابق تحت عنوان مقال اليوم مقياساً تقديرياً لعصور الكهف ومدرجات الأنهار وتتابع الطبقات وأعمارها في كل منهما، وسنجد أنفسنا مضطرين لأن نفعل ذلك في ذلك العصر الذي نحن بصدده الآن.
من الشكل (٨) يمكنك أن ترى تتابع عصر البلسوسين لعصر البليوسين، وهذان العصران يفصلهما حد زمني له أهمية في هذا المجال لأنه عند تخطي عصر البليوسين للعصر الذي يتبعه نجد اختلافاً كبيراً في شكل الحيوانات الثدية الموجودة به، ولذلك فإن علماء الجيولوجيا يعتبرون عصر البلستوسين أول مجموعة من المجاميع التي تكون حلقات تاريخ