المسئولية وتنصب عليه كل التبعات في الانقلاب على الدين ومحاولة محوه من الوجود ووصفه بكل هذه الصفات كما رأيت، إنما هم رجال الدين أنفسهم لأنهم لم يحاولوا أن يفسروا الدين بعقلية حرة تجديدية وعلى ضوء نظام التطور والارتقاء). ثم يلي ذلك فصل آخر هو (هل الدين لازم للبشر) وفيه تأريخ لتطور العقيدة الإلهية، نشأتها وبواعثها عند الإنسان الأول والمؤثرات التي أثرت فيها ثم تكلم عن حالة الإنسانية قبل الإسلام. وأتى بنظرية أن التطور في الديانات يسير جنباً إلى جنب مع التطور البشري. وتكلم عن مكانة الإسلام بين الديانات. بعد دراسة طويلة منطقية الديانتين السماويتين (اليهودية والمسيحية) وما جاءتا تنشدان تحقيقه من غايات تختلف عن الغايات التي جاء يحققها الإسلام. ثم ختم هذا الفصل بقوله (والخلاصة التي نستطيع أن نخرج بها من موضوع دراستنا لمكانة الإسلام بين الديانات أنه الدين الذي جاء متمشياً مع العقل في تطوره ونهضاته. وأنه الدين الذي جاء يقرر الأخلاق الإنسانية، ويعمل للكرمة البشرية التي تلزمها الحضارات. والمدنيات الكبرى)
ونحن وأن كنا لا نوافقه على كل تلك الآراء والنظريات التي استنتجها وأتى بها، والتي جعلها محوراً لتفكيره في هذا الكتاب لا يمكن أن نخفي إعجابنا من هذه الاتجاهات التجديدية التي اتجه إليها الأديب الشاب.
وكنا نود ألا يغلو الأستاذ العماوي عند بحثه في فصل (لماذا تأخر المسلمون في أمر عثمان بن عفان) كما غلا غيره من المؤلفين الذين تناولوا تاريخه في عصرنا ونسوا أنه في خلافته يبين لنا ما في الإسلام من استعداد لمظاهر المدنية. إذ تمت الفتوح في عصره. وانتقلت ثروة الأكاسرة والقياصرة إلى أيدي المسلمين. فلم يعد يليق بهم حياة التقشف، ولم يعد يليق بهم مظاهر البداوة، وقد كان عثمان أجدر بأنصافنا له في مظاهر المدنية الحديثة، وأن تكون خيراً له من أولئك البدو المتقشفين الذين ثاروا عليه ظلماً باسم الدين، ولم يقدروا ظروف خلافته ولم يعرفوا أنها كانت غير ظروف خلافةأبيبكر وعمر. وعلى كل حال فهذا الكتاب يدل على عظيم إخلاص هذا الأستاذ لدينه كما يدل على دراسة واسعة لأحوال هذا الدين، وعناية عظيمة بالبحث عن أسباب نهوضه وانحطاطه، ليتوصل بهذا إلى الطريق الذي يعيد له مجده، وينهض به في هذا العصر.