(٨) نرى أن العصر الثاني وهو الشامل لعصر ذوات الثدي يمتد لفترة طويلة جداً قد يبلغ مقدارها نحو ٦ ملايين سنة كما يقول العلماء، وإني لا أريد أن يتبادر إلى ذهنك أنه عند الحد الفاصل بين العصرين قد حلت ذوات الثدي محل الزواحف دفعة واحدة، أو أن الأخيرة صارت من الأولى بتغيير سريع فجائي، لأن هذا التغير يلزمه وقت طويل مع بطء وتدرج، وقد وجد من حفائر العلماء في طبقات العصر الثاني آثار لزواحف كانت قد أخذت تتغير وتطور من شكلها وتكوينها كي تتناسب مع الوسط الذي كانت ستعيش فيه، وهو وسط ذوات الثدي ولتصير إحداها، وأن هذه الزواحف قد أخذت تتغير وتتشكل حتى نهاية هذا العصر واتسمت بسمات خاصة ميزتها في أوائل عصر الأيوسين.
ولست أرى أية ضرورة لأن أتعمق أكثر من هذا العصر الجيولوجي الأول حيث تظهر قوة التطور في الأسماك والحيوانات البحرية حتى أمكنها أن تغير من شكلها في أواخره وتستطيع العيش على البر كما تستطيع العيش في البحر فأطلق عليها اسم برمائية.
والآن وقد تكلمنا عن العصور الجيولوجية، وأعطيناك من المعلومات عنها ما فيه الكفاية، نعود بك إلى بحثنا الأصلي وهو أصل الإنسان.
عندما تتبعنا آثار الإنسان القديم في الطبقات الجيولوجية القديمة في شرقي أنجليا أمكننا الوصول والتعمق بأبحاثنا إلى ما نريد بواسطة ما قد وجدناه من آثاره وأدواته الصخرية المتحجرة إلى وسط عصر البليوسين، وقد توصلنا بعد ذلك إلى الكشف عن بقايا مخلوق آخر أسميناه إنسان جاوه واعتبرناه أنموذجاً للكائن الذي كان يسكن هاته الجزيرة في ذلك العصر. وعرفنا أنه كان شبيهاً بالقردة في شكل الجمجمة فقيراً إلى تلافيف المخ، قليل الإدراك والتفكير، لكننا مع ذلك عرفنا أنه كان إنساناً في مشيته واعتدال قامته.
ولذلك كان واضحاً جلياً أن يعمد العلماء إلى التعمق في بحثهم في عصر أقدم من ذلك العصر بكثير حين تطور الإنسان شكلاً وعقلاً من حال القردة. ومع أنه لم يوجد أي أثر لهذه الحلقة في التطور الإنساني في أي طبقة من طبقات الأرض، وذلك ما جعل العلماء في حيرة من أمرها، فقد وجد في الطبقات الأولى من عصر البليوسين ما ساعدهم على كشف سر هذا التطور والوصول إلى حلقتهم المفقودة.