الأقدمين قول السيد علي الدرويش يذم بلدة منفلوط وكان قد زارها فلم يلاق فيها ترحيباً ولا براً:
وردنا منفلوط فلا سقاها ... وردناها فأظمأنا الورود
فمالي قد بعثت لقوم عاد ... كأني صالح وهم ثمود
أراهم ينظرون إلى شزرا ... كعيسى حين تنظره اليهود
ومن الألوان التي أسرفوا فيها، وبعدوا فيها عن منهاج الشعر الصحيح ما سموه (بالتاريخ الشعري) ومن أمثلة هذا قول أحدهم يؤرخ تولي الخليفة للخلافة:
تولى التخت سلطان البرايا ... وأيده الإله بمرتقاه
فصاح الكون لمل أرخوه ... نظام الملك (محمود) بهاه
فتأمل كيف يضيع الشاعر وقته، وينفق مجهوده في وضع حرف مكان حرف، وكلمة مكان أخرى حتى يخرج مجموع الحروف في قوله: (نظام الملك محمود بهاه) (١٢٢٣) وأية ناحية من نواحي الجمال في مثل هذين البيتين.
وراح الشعراء لنضوب الأذهان من المعاني الجليلة يطرزون اللفظ والمعنى بشتى ألوان المحسنات، فكان بعضهم يوفق في اصطياد المحسنات فتأتي سهلة لا يشق وقعها على السمع، ولا تنبو على الذوق. من مثل الاقتباس في قول البرير حينما هجاً تاجراً سها عن الآخرة:
يا تاجرا لا يزال يرجو ... ربحا ويخشى الخسارة
عبادة الله كل حين ... خير من اللهو والتجارة
وكان يخطئهم التوفيق أحياناً فيسمجون. فتأمل قول الشيخ مصطفى بن أحمد المعروف بالصاوي في وصف دار للجبرتي:
سما في سماء الكون فأنتهج العلا ... برفعته وازداد سرا سروره
ومن مجد بانيه تزايد بهجة ... وقلد من دار المعالي نحوره
ودام بعد سعد المعالي مؤرخا ... حمى العز بالمولى الجبرتي نوره
وقول علي الدرويش في وصف قصر أيضاً:
وقصر كالسماء به نجوم ... مطالعه السعادة والبدور