ولقد كان هؤلاء الشعراء أنفسهم ومن في طبقتهم إذا تجاوزوا هذه الموضوعات إلى موضوعات أخرى فيها حديث النفس وتصوير العواطف؛ أصابوا بعض التوفيق فتأمل قول السيد عمر اليافي وكان من المتصوفين:
أنا بالله اعتصامي ... لا أرى في ذاك شكا
موقنا أن لا سواه ... كاشف ضرا وضتكا
راجيا فيه نوالا ... ورشادا ليس يحكى
لم أزل لله عبدا ... وبهذا أتزكى
ولعلك واجد في هذه الأبيات طبعاً وانسجاماً وسهولة لا تحسها في الأشعار السابقة.
ولا بأس من أن نعرض هنا صوراً من استجابة هؤلاء الشعراء إلى عواطفهم؛ في موضوعات الفكاهة والدعاية ووصف الطبيعة وشكوى الزمان، ففيها على أي حال طلاقة وإحساس، وقوة ملامح الشاعر التي تميزه عن غيره من الشعراء. ونحن لا ننكر أننا سنجد في هذا كله سذاجة في بعض المعاني، وسنقع على بعض الضعف في الأسلوب، ولكننا مع هذا سنستجيب لاحساس الشاعر وسنقبل عليه متأثرين بكثير مما قال - وتتضح لنا شخصيته التي كانت تختفي في الأغراض السابقة وراء حجب كثيفة من التقليد. ستتضح لنا بين الحين والحين ويختفي ضعفه وفتوره، كما تختفي علة المريض أحياناً في ومضات من عودة الصحة وسلامة العافية. قال الشيخ صالح التميمي ينعى على أرض أقام فيها فلم يطب له فيها المقام:
ما إن تحركت الغصون بأرضها ... إلا تحرك في الحسوم أذاها
أشجارها خضر وأوجه أهلها ... صفر محا كسف السقام بهاها
لولا قضاء الله حتم واجب ... أبت المروءة أن أدوس ثراها
وقال أحدهم يشكو الدهر:
رمت قلبي رمال الدهر حتى ... رأيت دمي يسيل من العيون