إلا أن الدكتور الأهواني صنع في الحق شيئاً لم يصنعه ابن رشد في التلخيص الغامض! فقد جعل للتلخيص تلخيصاً في المقدمة التفسيرية التي قدم بها بين يدي الكتاب. وهي مقدمة نفيسة وقد زاد في نفاستها أن صديقنا الأهواني استعان فيها بآراء طائفة من كبار المشتغلين بالفلسفة، مثل (جويتيه) و (تيري) و (سلسون) و (والاس) و (بريهيبه) و (دوهيم).
ولعلك تلاحظ أيها القارئ الكريم أعجمية هذه الخفنة من الإعلام التي أخذ عنها الأهواني. فتجزع أن كتاباً في الفلسفة الإسلامية يفيض بهذه الأسماء، وتسأل نفسك: أليس بين هذه الأعلام علم عربي واحد في ميدان هو في الحق حلبة للتراث الفكري عند المسلمين. ولكن الجزع لا يطول بك: لأنك تصادف من مراجع البحث في المقدمة الجليلة للدكتور الأهواني مرجعاً ثميناً باللغة الفرنسية للدكتور إبراهيم بيومي مدكور. طبع في باريس سنة ١٩٣٤. وعنوانه مترجماً. (مكان الفارابي في المدرسة الفلسفية الإسلامية).
هذه كلمة حق أخرى في تلخيص كتاب النفس لأبن رشد الذي أخرجه الدكتور أحمد فؤاد الأهواني مع كتب أربعة أخرى تتصل بالنفس والعقل والاتصال والمعرفة. ومن حق كتبنا القديمة أن لا نستكثر عليها كلمة أو كلمتين في مجلة أو مجلتين. أو أن نمن على محققيها بأن نتهم من الصديق عباس خضر بأننا نتبادل الثناء ونتقارض الإهداء، ونتقايض التعريف بآثارنا الأدبية. ولو أطلع (العباس) على كتابي (بين السطور) لرآني محاولاً قدر جهدي أن أنتصف للحق ممن أعرفهم ومن لا أعرفهم من الأدباء والباحثين، الذين أتشرف بعرض أفكارهم ونقد آثارهم. وكدت لا أذكر هنا صداقة وعداوة، لأن مراد النفوس الكبيرة أكبر من أن نتعادى فيه أو أن ننغص فيه القلوب، بذكر بغيض وحبيب. . .