الآمال ويقول (ولم نعثر على هذا الكتاب في العربية). فإذا قام بخاطرك هذا التساؤل الآتي: ولماذا لا نترجم هذا الكتاب المطول في النفس عن اللاتينية؟ وجدت جواب الدكتور الأهواني يرد على هذا التساؤل بقوله:(والرجوع إليه في الترجمة اللاتينية لا يخلو من التضليل، لأن التراجم اللاتينية كثيراً ما ابتعدت عن الأصل ولم تكن أمينة في النقل). وهذه التهمة الخطيرة للتراجم اللاتينية لا أجرؤ على التسليم بها ولا أدعي لنفسي الدفاع عنها، لأنها مما لا يصل إليه جهلي المطبق باللاتينية.
ولست والحمد لله لاتينياً، ولا أمت إلى اللاتين بعرق، فكل ما يجري في دمي عربي صميم. ولكني أكره الاتهام الجزاف لغيري تقية أن أكون أنا نفسي موضعاً للاتها! ولا زلت أذكر أن كثيرا من التراجم العربية للفلسفة اليونانية كان كثير الفساد والقلق والغموض، حتى لقد باعد ذلك بين التراجم العربية وبين أصولها اليونانية، وحتى أصبحت هذه التراجم بعيدة عن الناس غريبة عليهم، وحتى ذكر أحد تلامذة أبن رشد عن أستاذه أنه قال:(استدعاني أبو بكر بن طفيل يوما فقال لي. سمعت اليوم أمير المؤمنين يتشكى من قلق عبارة أرسطاً طاليس أو عبارة المترجمين عنه، ويذكر غموض أغراضه، ويقول: لو وقع لهذه الكتب من يلخصها ويقرب أغراضها بعد أن يفهمها فهماً جيداً لقرب مأخذها على الناس، فإن كان فيك فضل قوة لذلك فأفعل. واني لأرجوا أن تفي به، لما أعمله من جودة ذهنك وصفاء قريحتك، وقوة نزوعك إلى الصناعة. وما يمنعني من ذلك ألا ما تعلمه من كبر سني، واشتغالي بالخدمة، وصرف عنايتي إلى ما هو أهم عندي منه. قال أبن رشد: فكان هذا الذي حملني على تلخيص ما لخصته من كتب الحكيم أرسطاطليس).
فأبن طفيل يشكو بلسان أمير المؤمنين من قلق التراجم العربية لأر سطو وغموضها، وابن رشد يقر إقراراً ضمنياً بالشكوى بدليل إقدامه على تلخيص ما لخص من كتب المعلم الأول. ولعل شيئاً - قليلاً أو كثيراً - من الاعتداد بالنفس هو الذي حمله هذا المحمل من التلخيص حتى يكون له فضل تقريب الفلسفة من الإفهام بعد أن باعد الغموض بينهما وبين الناس. ولكني أخشى أن أبن رشد كان في التلخيص اكثر غموضاً مما كان غيره في التطويل.! ولعله تنسى قول ابن طفيل له:(يقرب أغراضها بعد أن يفهمها فهما جيداً) وآفة ابن رشد في هذا الغموض إما أن يكون مأتاها من ناحية فهمه أو من ناحية مقدرته على