الموت من معان وما أحوجنا اليوم إلى الانبعاث من جديد. . . وما أحوج ميراثنا العربي العتيق إلى أن تزاح عنه الأكفان، وينفض غبار السنين من فوقه، فإن العروبة اليوم تقف في ساحة النشور.
وقد كتبت عن هذا الكتاب الجديد للصديق الدكتور الأهواني كتابة باعدتها عن محيط الصداقة، وأدخلتها في دائرة الصدق، خشية أن يضيع شيء منهما على حساب صاحبه. وما أظن في الذي فعلت إخلالا يحق الصداقة، أو إغفالاً لأمر المودة. وما أظن الدكتور الأهواني إلا راضياً بما صنعت، فقد عودنا دائماً أنه يحب سقراط ولكنه يجب الحق أكثر منه.
وفي الكتاب جوانب ما كان يتسع لها مقام محدود في مقال واحد، فإن هذا الكتاب هو في الحق خمسة كتب في كتاب واحد، وما ظنك أيها القارئ الكريم بخمسة مخطوطات في الفلسفة الإسلامية أتيح لها أن ترى النور دفعة واحدة في كتاب واحد؟؟ أليس من حق هذه الكتب علينا - وهي لأربعة من كبار فلاسفة الإسلام - أن نقف معها ونطيل الوقوف ولا نجد في ذلك الوقوف بأساً؟ فإن الشعراء كانوا يقفون على الأربع الأدراس ولا يجدون في أنفسهم حرجاً مما يصنعون، ولا بأساً فيما يفعلون. ونحن هنا - أمام هذه المخطوطات العربية الخمسة - نقف على أطلال من الفلسفة الإسلامية أعادها النشر شيئاً جديداً، ورد لها الحياة التي زايلتها حينا من الدهر، ونمر على تلك الديار الخمسة وقد نضر التحقيق شبابها، وأعاد لها رحابها، فنقبل ذا الجدار وذا الجدار، لا حباً في المكان، ولكن شغفاً بالسكان. . . وما السكان هنا! إلا تلك المعاني الفلسفية التي تعبر عن تصور فلاسفة المسلمين للنفس والعقل، وكيف اتصلت العقول بالأجسام.
وأول هذه الرسائل تلخيص كتاب النفس لأبن رشد، وليس التلخيص للدكتور الأهواني ولكنه لأبي الوليد محمد بن رشد نفسه! ومعنى هذا أن وراء هذا الملخص مطولاً، وأن خلف هذا الموجز محيطاً، ويدل عليه قوله. (وهذا كله قد بينته في شرحي لكتاب أر سطو في النفس، فمن أحب أن يقف على حقيقة رأيي في هذه المسألة فعليه بذلك الكتاب). ونبحث نحن عن هذا الكتاب، ونمني النفس أن نجد فيه من البسط للرأي والبيان في الشرح ما تحل به طلاسم التلخيص فإذا الدكتور الأهواني ييئسنا من هذه الغاية ويقطع منها مناط